للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٢ - ويظهر أن العمل بالقافة قد انقطع منذ قرون، فلذلك لا نجد في كتب الوثائق تعرضًا لصفة عقد وثيقة لأعمال القافة (في كتب التوثيق التي بين يدي). وما في كتاب الفائق لابن راشد القفصي - وهو من فقهاء القرن الثامن - من صفة كتب وثيقة بإشهاد قائف (ذكرها في الورقة الخامسة من كتاب العدة)، فلا أحسب ذلك إلا تصويرًا لمجرد التفقه.

ويظهر أن تعطيلَ العمل بالقافة نشأ عند تفرق قبائل العرب في الأمصار، وتناسيهم خصائصَهم، يُشعر بهذا ما نقله البرزلي أن الشيخ ابن أبي زيد سئل: "إذا لم توجد القافة فكيف نصنع؟ فأجاب: القافة يوجدون ويُرحل إليهم". (١) فكلامُه يفيد وجودَهم في زمنه مع تفريق وقلة، وذكر الزقاق أن العمل بفاس جرى بعدم إعمال القافة. (٢)

٤٣ - لا يعمل بقول القائف في إثبات النسب لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، أي والقيافة لا يحصل بها العلم. وليس مناط الاستدلال وقوعَ فعل "تقف" الذي هو مشتقٌّ من الأصل المشتقة منه القيافة؛ إذ ليس مرادًا به معنى القيافة المبحوث فيها، فلا تتَوَهّم.

وليس في حديث المدلجي دليلٌ على وجوب الحكم بقول القافة؛ لأن أسامة كان نسبُه لأبيه زيد بن حارثة ثابتًا قبل ذلك، ولم يحتج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك إلى قول أحد؛ وإنما تعجَّبَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - من إصابة مجزز. وكانت الجاهليةُ تقدح في نسب أسامة بن زيد؛ لأن أسامة كان أسود، وكان زيد أبوه أبيض. فلما قضى القائف بإلحاق نسبه - وكانت العربُ تعتمد قولَ القائف - فرح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه زجرًا لهم على الطعن في النسب. (٣)


(١) شرح نظم العمل الفاسي، طبع حجر بفاس ١٢٩١ هـ، الجزء الأول أواخر مسائل المعارضات، الورقة العاشرة قبل مسائل الجعل والإجارة.
(٢) شرح لامية الزقاق (ومعه شرح التاودي عليها)، الطبعة الرسمية بتونس ١٣٠٣ هـ، ص ١٦٨.
(٣) شرح العيني على صحيح البخاري، ص ٥٢٣ - ٥٢٤ جزء ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>