للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٩ - فهذه تسعةُ طرق لثبوت النسب شرعًا وفاقًا وخلافًا، وهي متفاوتة في قوة الكشف عن الحق في نفس الأمر بحسب ما يستطاع بجهد الحاكم.

وهي على تفاوتها بريئةٌ عن الوَهَم والصُّنع باليد، إذ الأوهام مدحوضةٌ في اعتبار الشريعة الإسلامية. (١) فإذا لم يُستطع الوصول إلى إثبات النسب من أحد هذه الطرق اعتُبرت دعوى النسب ضائعة، وكانت مما يفصل فيه يوم القيامة.

٥٠ - فمن أجل هذا لم تُعتبر القرعة في إثبات النسب عند جمهور أهل العلم، (٢) وألْغى الشارعُ ما كان قبل الإسلام من جَعْل التبني طريقًا نسبيًّا يوجب الإرث. (٣) قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: ٤] الآيات، ونُسخ ما كان في صدر الإسلام من اعتبار التآخي طريقًا نَسَبِيًّا، وما كان من التوارث بالولاء بقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣]، نسخها قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥ والأحزاب: ٦].

وجُعل لبعض الأواصر بعضُ آثار النسب لا جميع آثاره، فالرضاعُ مِثْلُ النسب في تحريم التزوج، والولاء مِثْلُ النسب في أنه لا يُباع ولا يوهب، وأمومةُ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين مثلُ النسب في تحريم التزوج وفي وجوب البر.

وأخوةُ المسلمين بعضهم لبعض مثلُ النسب في وجوب البر والنصيحة، قال تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]، وقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: ١٢]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدُكم


(١) انظر [للمصنف] كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، [ص ٥٢ - ٧٤]، وكتاب مقاصد الشريعة الإسلامية [ص ٢٥١ - ٢٥٨]. - المصنف.
(٢) نيل الأوطار، ص ٢١٣ جزء ٦.
(٣) الجامع لأحكام للقرطبي، ص ١٦٦ جزء ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>