خامسًا: ومن أضراره كثرةُ الخصومات والشكايات وانتشار البغضاء بين الأهل والأقارب، وإفساد المستحقين بنشر البطالة بينهم، لأن العمل للناظر، والمستحق يعيش عيشة المحال على المعاش ولو كان في ريعان الشباب.
سادسًا: أنه يجبر الإنسان على البقاء في الشيوع، ويعطي الفرصةَ لبعض الواقفين الواقعين تحت تأثيرات غير مشروعة لمخالفة الفرائض الشرعية، بحرمان ذوي الفروض، أو إيثار بعض الورثة على بعض، أو تضمين وقفياتهم شروطًا تعسفية لم تصدر إلا عن شهوات ذاتية كاشتراط عدم زواج البنت أو إبعاد الأهل أو عدم زواج الزوجة أو حرمان أولاد البطون، إلى غير ذلك.
غير أن أصحاب المصالح الذين ينتفعون من نظام الوقف لا حجةَ لهم إلا التحكك بالدين، والدين بريء منهم. ويكفي أن نذكر للرد عليهم أن الوقف ليس نظامًا إسلاميًّا، بل إنه كان موجودًا عند قدماء المصريين وعند الرومان وعند الإفرنج عامة فتخلصوا منه جميعًا ولم يبق إلا في مصر. وأقوى ردٍّ عليهم أن القاضي شُريْحًا - وهو من كبار التابعين ومن أعظم فقهاء الإسلام - يقول بعدم جواز الوقف أصلًا، وأن الإمام أبا حنيفة يرى أن للواقف أن يرجع عن وقفه وينحل حتمًا بعد وفاته وتوزع رقبته ومنفعته بين الورثة.
وفي مصر نفسها لجأ برقوق إلى علماء المسلمين فأفتوه بحل الوقف الأهلي، كما لجأ محمد علي باشا إليهم فأعطوه نفس الفتوى. ومما جاء في فتواهم أن الوقف من الأمور التي وقع فيها خلاف أئمة الاجتهاد وأن أمر الآمر متى صادف فصلًا مجتهدًا فيه نفذ أمره، أي وجب امتثاله والامتناع عن مخالفته. وبما أن الوقف الخيري الغرض منه صدقة من الصدقات، وهو مما يحث عليه، كما أنه هو الأصل في الشريعة الإسلامية، فإننا نحبذه، فضلًا عن أنه لم يبلغ من الكثرة ما يخشى منه، وبما أن حل الوقف تعترضه مشاكل كثيرة، فإننا نكتفي في هذا المشروع بمنع الوقف الأهلي من وقت صدور هذا القانون".