للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استبعادٍ يقتضي البطلان، بحيث يكون احتمالًا لا يسمح به لفظُ الآية، وليس يعني به استواءَ الوجوه الثلاثة في التبادر من الآية. وكيف وهو بصدد شرح الخبر الذي أخرجه الترمذي عن ابن عباس أنه أنكر على سعيد بن جبير تفسيره الآية بالوجه الثاني وفسرها ابن عباس بالوجه الأول؟

وأما الاستثناء الواقع في قوله: "إلا المودة"، فهو منقطعٌ على جميع الوجوه؛ لأن المودة ليست بأجر. فالاستثناءُ في معنى الاستدراك، وقد استُعمِلت أداةُ الاستثناء في معنى أداة الاستدراك. ولذلك جعل العلماءُ الاستثناءَ في مثله منقطعًا، ثم فسروه بأنه على ادعاء أنه إن كان أجرٌ فهذا هو أجري. ويُسمَّى هذا الاستعمالُ في اصطلاح الأدباء تأكيدَ المدح بما يشبه الذم، وهو معدودٌ في المحسِّنات البديعية بهذا الاسم وبضده، وهو تأكيدُ الذم بما يشبه المدح.

وقال العلامة التفتازاني: "الأجدر أن يُسمَّى تأكيدَ الشيء بما يشبه نقيضَه". (١) وأنا سَمَّيتُه في كتاب "موجز البلاغة" (٢) تأكيدَ الشيء بما يشبه ضدَّه، توسعةً في التسمية، لئلا يختص بالنقيض. ثم أرى أنه يتعين في مثل هذا الاستثناء أنه إن وقع في مقام تُعتبر في مثله المحسناتُ فليسمَّ استثناءً ادعائيًّا، كما سَمَّى البلغاءُ بعضَ أنواع القصر قصرًا ادعائيًّا، وإن كان عريًّا عن قصد التحسين سُمِّيَ استثناءً منقطعًا. وللأديب تتبعُ فروقه، وتعيينُ صوبه من شيم بروقه (٣).


(١) جاء ذلك خلال كلامه على المحسنات المعنوية في علم البديع من شرحه على تلخيص المفتاح. والقول المنسوب للتفتازاني ليس موجودًا بحرفه، وإنما يبدو أن المصنف ساقه بتصرف. انظر التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر: المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، تحقيق عبد الحميد هنداوي (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ص ٦٧٢ - ٦٧٦.
(٢) انظر الرسالة المذكورة في المحور الرابع من هذا المجموع الخاص باللغة والأدب.
(٣) أي تحديد اتجاهه من النظر في مظاهره. والصَّوْبُ: المطر، يقال: شام السحابَ والبرق، أي: نظر إليه يتحقق أين يكون مطرُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>