للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تصريف أوراق الديون لدى البنوك، فالمرجع فيه على المصرف لها عند تعطيل الدفع، وليس هو من الحوالة كما قد يُتوهم؛ إذ الحوالة إنما تكون على أصل دين سابق ولا دين سابق هنا، ولأن الحوالة لا رجوع فيها على المحيل، وهذا فيه الرجوع كما علمت. والذي يصح رهنه لا يجوز بيعه؛ إذا الرهن بذل من له البيع ما يباع، وفي مختصر ابن الحاجب: "ويجوز رهن الدين من المديان وغيره". (١)

وحيث كان رهنًا، فإن قبض الراهن من المرتهن نقدًا أو عروضًا فظاهر، ما لو لم تكن هناك زيادة فيما يأخذه ربُّ الدين على ما يدفعه، وهو سلف جر نفعًا، وهو حرام.

وإن قبض الراهن أوراق بنوك، فهو رهن الدين مع كون عوض الرهن دينًا ولم يمنعوه، وإنما الممنوع ما فيه الزيادة، ولا يأتي فيه ما قيل في بيع الدين بالدين لانتفاء العلة التي تقدمت عن المازري. (٢) غير أن هنالك اعتبار الزيادة في قيمة أحد الدينين على الآخر عند وقوع الاستخلاص، وهي من باب السلف الجار نفعًا. هذا والجمع بين الرهن وبين توكيل المرتهن على استخلاصه واستيفاء دينه منه صحيح، لنصِّهم على جواز توكيل الراهن للمرتهن على بيع المرهون عند حلول أجل الدين، (٣) إذا سلم ذلك مما يجعله وكالةَ اضطرار، (٤) كما هنا؛ لأن


(١) ابن الحاجب: جامع الأمهات، ص ٢٣٤.
(٢) وهذه العلة هي الزيادة لأجل التأخير كسلف جر نفعًا، وفي ذلك قال المازري: "فإذا حل أجل الدين وهو في المثل عين، فإنه إذا أخره بزيادة فيه فهذا يحرم؛ لأن التأخير للدين بعد استحقاق قبضه كسلفه لمن هو عليه. والزيادة في مقدارٍ عوض التأخير هي زيادة عوض السلف، وقد علم تحريم سلف جر نفعًا". شرح التلقين، ج ٤، ص ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٣) هذا ما ذهب إليه ابن القصار عن مالك وكذلك أبو حنيفة. وللعلماء في هذه المسألة مذاهب وتفصيلات وشروط ليس هذا مجال ذكرها، فانظرها في: المازري: شرح التلقين، ج ٨، ص ٤٦٣ - ٤٨٢.
(٤) وكالة الاضطرار على بيع الرهن هي التنصيصُ في العقد على توكيل الراهنِ المرتهنَ على بيع الرهن قبل الأجل، وبعده من باب أولَى. فإذا وقع هذا البيع، فإنه لا يجوز ابتداءً حسبما نص عليه =

<<  <  ج: ص:  >  >>