للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ابنُ عبد الملك بصيرًا بالخطوط عارفًا بأنواعها مميّزًا لأصحابها واصفًا لها، وممّا يدُلّنا على ذلك ما ذكَرْناه في ترجمة محمد بن عبد الملك الطائيِّ المُرْسيّ، قال: "اقتَضَبَ ذكْرَه ابنُ الأبّار ووَصَفَه فقال فيه: بارعُ الخطّ أنيقُ الوراقة. ولم يكن عندي كذلك؛ فإنّ خطَّه كان ضعيفًا جدًّا أبترَ الحروف مقطوفَها أقربَ إلى الرداءة منه إلى الجَوْدة، إلّا أنه كان نقيَّ الجُملة حسَبَ الترتيب دالّا على إدمان النَّسخ، وقفتُ على كثيرٍ منه تعليقًا ووِراقة عُني بها، فلم يَعْدُ ما وصفتُه به، واللهُ أعلم" (١).

وممّا يتصل بمعرفته بالخطّ وأحكامِه ما عقَّب به على هذا البيت من قصيدة لصالح بن شريفٍ الرُّندي:

والثُّريا تَمُدُّ كفًّا خضيبًا ... أعجَمت بالسِّماكِ نونَ الهلالِ

وها هو تعقيبه: "وقوله: "أعجَمت بالسِّماك نونَ الهلالِ" غلطٌ جرى عليه جُمهورُ الكُتّاب، لأن النونَ المتطرِّفة لا وجهَ لنَقْطها؛ إذ هي متميِّزة بصُورتها، وإنّما تُنقَطُ مبتدَأً بها ومتوسِّطة، وحالُها في ذلك حالُ الفاءِ والقاف والياءِ المسفولة، فإنهنّ إذا ما تطرَّفْن تميَّزْنَ بصُوَرهنّ فاستُغني عن نَقْطهن؛ إذِ الداعي إلى النقط خوفُ الإلباس، فإذْا ارتفع الإلباس كان الإعجامُ عبثًا وكُلفة لا جدوى فيها، والهلالُ إنّما يُشبَّه بالنون المتطرِّفة كما يُشبَّه بالرّاءِ أولَ ليلة، واللهُ أعلم" (٢).

ونجدُ لديه إشاراتٍ مُفيدةً عن أنواع الخطوط وطرائقِها ومَناحيها، فهو يقولُ في ترجمة أبي عبد الله ابن المُناصِف: إنه كان "بارعَ الخطّ في كلٍّ طريقة، ذكَرَ لي شيخُنا أبو محمد ابنُ القَطّان أنه كان يَكتُب ثلاثَ عشْرةَ طريقةً هو فيها كلِّها مُجيد. قال المصنِّف عفا الله عنه: قد رأيتُ منها أربعَ طرائق، وهي كما وصَف


(١) الذيل والتكملة ٦/الترجمة ١٠٦٩.
(٢) المصدر نفسه ٤/الترجمة ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>