للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي الخِصَال فلعلّ المؤلّفَ تحدّث عن مَنْحاه أو مدرسته في الخطّ في السِّفر الثاني، وهو مفقود، وقد أشار إلى خطّاطٍ آخَر كان مثلًا يُحتذى وهو: أبو يحيى ابنُ هشام القُرطُبيّ، قال في ترجمة ولده محمد: "وكان ... جيّد الخطّ حاذيًا فيه حَذْوَ أبيه" (١)، ولعلّه تحدّث عن طريقتِه في السِّفر الثاني المفقود.

وممّا يتّصلُ بالموضوع إشاراتُه الطريفة إلى هِمَم بعض الأعلام وطاقاتهم في النَّسخ والوِراقة، فمنهم من كان يواظبُ على النَّسخ ولا يترُكُه إلا لضرورة مثل أبي القاسم ابن فَرْقَد الذي كان "رائقَ الوِراقة، كثيرَ الدُّؤوب على النّسخ ليلًا ونهارًا، حتى إنه كان إذ دُعي إلى موضع لعقد وثيقة أو شهادة فيها استَصحَب ما يَنْسَخ، فإن أمكنَتْ مُهلةٌ رَيْثما يتِمُّ أمرُ ما توجَّه إليه شَرَع في نَسْخه؛ فلذلك خَلّف بخطِّه من دواوين العلم كبارًا وصغارًا ما لا يُحصى، وقد وقفتُ على كثير منها" (٢).

ومنهم من كان يوظِّفُ على نفسِه قدرًا معيّنًا كلَّ يوم مثل: الكاتب أبي بكر ابن البنّاء الذي يقول عنه المؤلّف: "وكان حَسنَ الخطّ أنيقَ الطريقة في الوِراقة متقن التقييد، رتَّب على نفسه وظيفةً من النَّسخ في كلّ يوم لم يكنْ يترُكُها على حال إلّا أن يعُوقَه عن الوفاء بها عائقُ مَرَض أو سَفَر سوى ما يُعلِّقُه من الفوائد ويقيِّدُه من الغرائبِ المنتقاة سائرَ أيامه، فقد كان كثيرَ الولوع بذلك شديدَ الرغبة في الاستكثار منه حتى إنه ليقالُ: إنه أخرَج معه بخروجه من إشبيلِيَة نحو خمس مئة مجلّد بخطّه، وقد وقفتُ على ستينَ منها أو أزيَدَ".

وقد عَرَفَ ابنُ عبد الملك أديبًا نَسّاخًا من هذا الطّراز هو: يوسُفُ ابن الجَنّان السَّلَوي ووصَفَه فقال: "كان أكثرَ الناس كَتْبًا وأدومَه، أخبَرني أنه نَسَخَ "التقريبَ" لابن حَرْب في القراءات في يوم واحد، وأنه دأبَ صدْرَ عمُره على


(١) الذيل والتكملة ٦/ الترجمة ٢٩٣.
(٢) المصدر نفسه ٦/الترجمة ١١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>