للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: ١٥] ودولةٌ مبارَكة لمَحاسنِها سُفور، إلى أبي حَفْص آلوا، فهل جالتِ النّجومُ حيث جالوا، أو نالتِ الملوكُ بعضَ ما نالوا؟ مُلْكٌ يشتملُ الإقبال، وعز يُقلقلُ الأجبال، وكرَمٌ صريحُ الانتماءِ في النَّماء، وشَرَفٌ سَمَت ذوائبُه على السماء، إلى عدلٍ وإحسان، هما قِوامُ نوع الإنسان، معَ رِفْقٍ وإسجاح، ضَمِنا كلَّ فوزٍ ونجاح، فقد آضَتِ البَطحاءُ أنوارًا، وفاضتِ البركاتُ نِجادًا وأغوارا، ألبَسَ العامَ ربيعًا، والعالَمَ جميعًا، والسُّعودُ طالعة، والعصورُ. طائعة، بصالح الأعمالِ تَحَلّيها، وعلى مِنَصّة الكمالِ تجَليها، فمَن ذا -أيُّها المولى- يُجاريكَ إلى مدى، أو يُباريكَ في إقدام صادقٍ وندى، وآياتُك للأبصارِ هدى، وحياتُك للكُفّارِ رَدى؟! بسِيرتك عَدَلَ الدّهرُ وما جار، ولولا نورُ عزّتِك ما أنار [الوافر]:

لقد حَسُنَتْ بك الأوقاتُ حتى ... كأنَّك في فمِ الزمنِ ابتسامُ

أعرَقْتَ في المجدِ والعَلْيا، وعُنِيتَ بالدينِ فعَنَتْ لك الدنيا، أيُّ عنيدٍ أو عميد ما ألقَى باليد، واتّقَى في اليوم عاقبةَ الغد، إصفاقًا على التعوُّض بصَفْحِك وإسعادِك، وإشفاقًا من التعرُّض لصِفاحِك وصِعادِك، تَعمُرُ بالحَسناتِ آناءَك، وتَتْبَعُ في القُرُبات آباءَك، بانيًا كما بَنَوا، بل زائدًا على ما أتَوا، وبادئًا من حيث انتهَوْا [الطويل]:

أُناسٌ من التوحيد صِيغتْ نفوسُهمْ ... فزُرْهمْ تَرى (١) التوحيدَ شخصًا مُركَّبا

ومن ساكباتِ المُزْنِ فَيْضُ أكُفِّهمْ ... فرِدْهمْ تَرِدْ ماءَ الغَمام وأَعذبا

أمجادٌ أجواد، في الحِبا بحارٌ وفي الحبَى أطواد، تقَيَّل أبو زكريّا نَهْجَ أبي محمد، وأُيِّدا جميعًا بأبي حَفْص المؤيَّد [الكامل]:

نَسَبٌ كأنَّ عليه من شمسِ الضُّحى ... نُورًا ومن فَلَقِ الصَّباح عمودا

أولئك صفوةُ الأئمّة، وحَفَظَةُ الأَذِمّة، والقائمونَ دونَ الأُمّة، في الحوادثِ المُدْلَهِمّة، وهذه الدّولةُ المحمَّديّة، الخالدةُ بمكانِها الدعوةُ المَهْديّة، إليها انتهَتِ المَراشِد، وعليها التقَتِ المحامد، وبها اعتزَّتْ حين اعتزَتْ إليها العناصرُ


(١) كذا غير مجزومة، وهي صحيحة الوزن بالجزم!

<<  <  ج: ص:  >  >>