للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أياديه، وكم سَحَبتُ له الرداءَ عُجْبًا ليس لي شيمة، واستَصْحَبْتُ فيه الثناءَ و"خيرُ العمل ما كان ديمة"، ثم بقِيتُ بعدَها أقعُدُ به وأقوم، وأُحاولُ المكافأةَ عليه وأَرُوم، وعَقدَ الضّميرُ أن أسيِّرَ لشُكرِها يدًا بيضاء، أو أستنيبَ سائلًا من فضلِها الإغضاء. ولمّا استقَلَّ مُستندًا لمكانِه، ومستَسْعِدًا بزمانِه، صاحبُنا الفقيهُ الحَسيبُ المليءُ المُحدّثُ المجتهدُ الصُّوفيُّ أبو علي الحَسَن ابنُ الفقيه القاضي أبي عليّ الحَسَن بن عَتِيق بن المنصُور الجَنْبِ التَّميميُّ، عرَّفَه اللهُ في مناقلِه العصمةَ والسلامة، ولا أوجَدَه في مآخِذِه الفترةَ والسآمة، حَمَّلتُه ذلك واثقًا بأدائه، وراكنًا لحُسنى إعادتِه وإبدائه، وبيتُهُ -أدام اللهُ عُلاكم- نَباهتُه قديمة، وطريقتُه في البيوتاتِ الإفريقيّة بل المَغْرِبيّة قويمة، وأبعَدُ أملِ هذا الصاحبِ وأقصاه، إذا هو أدَّى فريضةَ حجٍّ إن شاء الله، لُزومُ ساحتِكم العُلْيا، والاقتداءُ بكم في أمرَي الدِّينِ والدُّنيا، وسُؤدَدُكم الباهر يخفِضُ له جناحَه، وُيسوِّغُه من إسباغ حِلمِه اقتراحَه، فما بَرِح للسُّنَن النّبويّة خادمًا، وعلى مشارع العلوم الشَّرعيّةِ حائمًا، في ذلكُم حَلَّ وارتَحل، ولله ما انتَحَى وانتحَل، وتشفيعي فيما يُوسعُه رَفْعًا ونَفْعًا، مما أَصِلُ عليه الشُّكرَ وَتْرًا وشَفْعًا، وإنّي لأرجو محافظتَه على التقييد، وبراءتَه من التفنيد، أن يُجيدَ في خدمتِه إمامَنا وإمامَه، ويُفيدَ مَنْ وراءَه من عيونِ ما استفاد أمامَه، والله يُحظيه بما اعتمدَه وتوَخَّاه، ويُسعدُنا بلقاءِ من أمَّل أن يَلْقاه، بمنّه وكرَمِه، ومَعادُ السلام الأجزَل، المباركِ الأطيَبِ الأكمل، يعتمدُكم به مُستديمُ حياتِكم، المتميِّزُ في تلاميذِكم ورُواتِكم، المُتبَاهي في تعظيم جانبِكم، وتقديم واجبِكم، محمدُ بنُ عبد الله بن أبي بكرٍ القُضَاعيُّ، ورحمةُ الله وبرَكاتُه، من بِجَايةَ -كلأَها اللهُ- في غُرّة ربيعٍ الآخِر سنةَ أربعٍ وخمسينَ وست مئة.

وبعدَ مُدّة ممتدّة استدعاه المُستنصِرُ بالله أبو عبد الله مُكرَّمًا مبرورًا، فانقَلبَ إلى حضرتِه مسرورًا، فأنشَدَه حين انتهَى إليه، ووَقَعَ بصَرُه عليه [الكامل]:

بُشْرايَ باشَرْتُ الهُدى والنُّورا ... في قصديَ المُستنصِرَ المنصُورا

وإذا أميرُ المؤمنينَ لقِيتَهُ ... لم تَلْقَ إلا نَضْرَةً وسرورا

<<  <  ج: ص:  >  >>