من شأنِهم إلّا أن يَستشعرَ من أحدٍ منهم عودةً إلى وطنِه، فإنه كان [يحدِّثُ بقضاءِ، مآربِه، ويُجمِّلُ السَّعيَ في تخليصِ ما إليه قَصَدَ، لئلّا يُشتهرَ أمرُه فيقعَ [الاغتباط] به من أولي الأمر، وليعودَ إلى بلده مُذيعًا شكرَه مُحسِنًا الأُحدوثةَ عنهُ، [إعجابًا] بنفسِه، وحرصًا على تفرُّدِه بالرِّياسةِ وخلوِّ الوجوهِ له.
ومنها: إفراطُ الكِبْر وشدّةُ العُجب، فقد كان دَيْدَنُه أنه لا يبدأُ أحدًا بالسلام ولا يرُدُّه على من يبدَأُ به، وذاكرتُ بذلك شيخَنا أبا عبد الله المدعوَّ الشّريفَ (١)، وكان من المتشيِّعينَ فيه المتّشبِّعِينَ بذكْرِه المتعصِّبينَ له، فقال لي: إنه كان يُسألُ عن ذلك وُيذكَرُ له ما فيه عليه فيُجيبُ مُعتذرًا باستغراقِ فِكرِه واشتغال بالِه بالنّظرِ في أجوِبةِ ما وقَعَ من المسائل العلميّة بمجلسِ سُلطانِ الوقت أو في إعدادِ مسائلَ يُلقيها بينَهم به؛ فهُو لا يزالُ خاطرُه معمورًا بذلك وذهنُه مغمورًا به، زاعمًا أنه لا يَرى أحدًا ممّن يمُرُّ هو به، فقلتُ له: يدفَعُ ذلك حكايتُه عن نفسِه مشاهدةَ ابن العُثْمانيِّ في مرورِه به على ما سآتي بذكْرِه إن شاء الله، فانقَطَعَ.
ومنها: استعمالُه المُسكِر، فقد صَحَّ عنه تناولُه إياه والتأوُّلُ فيه.
ومنها: غُلوُّه في آلِ عبد المؤمن وإفراطُ تشيُّعِه فيهم، حتى عَدَّ المنصورَ أبا يوسُفَ يعقوبَ بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن في جُملةِ شيوخِه الذين ضمَّنَهم برنامَجَه وصدَّرَهم بذكرِه تشيُّعًا له وغُلوًّا فيه، وليتَه لو وقَفَ في أمرِه عندَ هذا الحَدّ ولكنْ تعَدّاهُ إلى منزلةٍ تُفضي بالهاوي منها إلى مَقْتِ الله والتعرُّض لشديدِ غَضَبِه وعظيم سَخَطِه؛ وهي أنه لمّا ذَكَرَ من شيوخِه أبا القاسم ابنَ بَقِيّ وطُولَ مجالستِه إيّاه، ومُذاكرتَه معَه وسماعَه منه ما لا يُحصَى من شِعرٍ أنشَدَه إيّاه، لنفسِه ولغيرِه، ثم قال: وليس بهذا الاعتبار أذكُرُه هنا، ولا أيضًا باعتبارِ ما سمِعتُ منه من "مسنَدِ" جدِّه بَقيّ وكتاب "التفسير" له وأنه كان أهلًا للرِّواية عنه، ثم قال: وإنّما ذكَرتُه هنا؛ لأنّي قد كتبتُ عنه شيئًا أخبَرني به، قال: قال الإمامُ أميرُ المؤمنينَ
(١) ما نقله القاضي ابن إبراهيم المراكشي لدى ترجمته في الإعلام (٥٧١) ٤/ ٢٨١ وما بعدها.