للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصورُ رضيَ اللهُ عنه: وُلدتُ ليلةَ الأربعاء الرابعةَ من ربيع الأوّل عامَ أربعةٍ وخمسينَ وخمس مئة، فعَجبتُ من ذلك؛ لتناسُبِ ما بين الأربعاء والرابعة، وربيع وعام أربعة، فكتبتُهُ عنه. فتأمَّلْ [إعجابَه بهذه الكلمات] الشَّوْهاء وإضرابَه عن جميع ما ذَكَرَ أنه سَمِعَه منه، كتفسيرِ القرآنِ [الكريم] لبقيّ، ومسندِه، وما أنشَدَه أو سَمِعٍ منه لنفسِه أو لغيرِه وما حاضَرَهُ به أو [ذاكَرَه فيه] واطّراحَ ذلك ونَبْذَه إيّاه تهاونا به واستخفافًا بقَدرِه، وإيثارًا [لتاريخ] ولدِ خَلْق من خَلْق الله تعالى، لعلّه لا يُرضَى مثل ذلك الغُلوِّ في جانبِه من أحد على جميع ما سَطَرَ وذكَر من فنونِ المقاصِد العلميّة التي يحرِصُ الأفاضلُ على نَيْل بعضها من أكابرِ شيوخِهم، نسألُ الله العصمةَ من الخِذلان، والسلامةَ من مُوجِباتِ الحِرمان. ولقد ذاكَرتُ بهذا الفَضل أيضًا شيخَنا أبا عبد الله المذكور، وأبدَيْتُ له ما فيه من الدلالة على قَبِيح الغلوّ، فاعتَذرَ عنه بأنّ حاملَهُ عليه تخوُّفُه من أبي عبدِ الله العادل ابن المنصُور، فإنه كان قد أخْمَلَه كثيرًا وكان يتوقَّعُ منه شرًّا، فقلتُ له: إنّما وضَعَ برنامَجَه بعدَ موتِ العادل وموتِ أبي القاسم ابن بَقِيّ. وأيضًا، فهلّا ذكَرَ ذلك في رَسْم المنصُور فيكونَ ذلك أتقنَ في التأليف وأجرى على سَنَنِ المصنِّفينَ في الإعلام بالشيوخ! فأمّا أن يَذكُرَ الشّيخَ في موضعٍ ومولدَهُ بعدَ رَسْمه بأربعةَ عشَرَ شيخًا فعمل لم تَجْرِ العادةُ به، ولا خفاءَ بما فيه، ثم إنْ شاء ذكَرَ أبا القاسم بنَ بَقِيّ بما يَليقُ به إن رأى ذكْرَه في شيوخِه أو الإضرابَ عنه رأسًا، فلم يُحرِ جوابًا. وهذه عندي أكبرُ جَرحةٍ في حقِّه، لِما تضمَّنتْه من الإزراءِ بالعلم وأهلِه الذين لا يَمتري أنه به وبهم شرَفُه لوِ استضاءَ في عيانة هذه الغوايةِ بنورِ هُدى أو اعتَصَم بجُنّة توفيق.

ومنها: تجرُّدُه للسَّعي بغاية الجِدّ في قَتْل الشّيخ وابنِه المُراهِق العُثمانيَّيْن، ثم استباحةُ أخْذِ دارهِما بعدَ قتلِهما مكافأة عن له على تلك المحاولة، وانتقالُه إليها بالسُّكنى فيها إلى فصولِه عن مَرّاكُش ثم لم يعُد إليها كما سيأتي ذكْرُ ذلك إن شاء اللهُ تعالى.

ثم [كان] الفُضَلاءُ من أهل عصره ناقمينَ منه أحوالَه، ولقد حدَّثني الشّيخُ أبو الحَسَن الكفيفُ -وكان رجُلَ صدق- أنه سَمِعَ الورعَ المُجمَعَ على فضلِه

<<  <  ج: ص:  >  >>