للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اتَّفَقوا على تقديم أبي محمد عبدِ الواحد أخي المنصور عند وفاةِ المستنصِر إمّا منتصفَ ذي الحجّة أو لأربعَ عشْرةَ ليلةً خَلَت منه عامَ عشرينَ وست مئة، فاستمرَّت أيامُه إلى [يوم السّبت المُوفي عشرينَ] من شعبانِ إحدى وعشرينَ فخَلَعوه وأشهدَ على نفسِه بالخَلْع، ثم قَتلوهُ صَبْرًا، [وهو] أوّلُ قَتيل غَدرًا من بني عبد المؤمن، وقدَّموا ابنَ أخيه العادل وهو بمُرسِيَة؛ كتَبوا إليه ببيعتِه، فأقبَلَ إلى مَرّاكُش، وقدَّم أخاه أبا العلاء إدريس الملقَّبَ بعدُ بالمأمون على جميع بلاد الأندَلُس، فأقام العادلُ بمَرّاكُشَ إلى يومِ الأربعاءِ ولستٍّ بقِينَ من شوّالِ أربعةٍ وعشرين، وخَلَعوهُ، ثم بايَعوا أخاه المأمون على ما سألمعُ ببعضِه ملخَّصًا إن شاء اللهُ تعالى.

وقد كان أُنهِيَ إلى العادل إنشادُ أبي الحَسَن البيتَ المذكور حينَئذٍ، وعرَفَ مقصِدَه فيه فأسرَّها في نفسِه، وخاف أبو الحَسَن بعدَ ذلك من سُوءِ عاقبتِها، ولمّا قَدِم العادلُ من مُرْسِيَةَ إلى مَرّاكُش كما تقَدَّم همَّ بالقَبْض على أبي الحَسَن والإيقاع به (١)، ثم رعَى له قِدَمَ انقطاعِه إلى أبيه وخِدمتِه إيّاه وأخاه الناصِرَ وابنَ أخيه المستنصِر وعمّه بعدَهم، فكَفَّ عنه وصَرَفَه عن التعرُّض إلى القصرِ والدّخولِ فيه إلى مَحاضرِ خواصِّ الطَّلَبة، وكان يُكني عنه متى جَرَى ذكْرُه "المُخارِقَ" إشارةً إلى البيتِ الذي أنشَدَه أبو الحَسَن، فكلّما نُمِيَ ذلك إلى أبي الحَسَن يشتَدُّ قلقُه ويتأكّدُ استيحاشُه، وكان من غريبِ الاتّفاقات أنّ العادلَ لمّا استقَرَّ بمَرّاكُشَ بعدَ قَتْل عمِّه أبي محمد وانتهابِ أكثرِ كُتُبِ الخِزانة (٢) التي كانت بالقَصْر في جُملة ما


(١) في ص: "له".
(٢) كان لهذه الخزانة مكانة كبيرة عند خلفاء الموحدين، وكان الإشراف عليها من الخطط الرفيعة عندهم، وقد وليها عدد من الأعلام نذكر منهم أبا العباس أحمد ابن الصقر في عهد يوسف بن عبد المؤمن، وأبا محمد عبد الله العراقي في عهد الرشيد الموحدي، وأبا الحسن ابن شلبون، ويقول ابن عبد الملك في خطبة الخزانة العالية: "وكانت عندهم من الخطط الجليلة التي لا يعين لتوليها إلا علية أهل العلم وأكابرهم". السفر الأول (الترجمة ٢٩٢) والسفر الخامس (الترجمة ٥٥٠) واختصار القدح المعلى (٤٦). =

<<  <  ج: ص:  >  >>