للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُهِب من ذخائرِه، خرَجَ من قِبَل [الخليفة العادلِ إلى] أبي الحَسَن عليِّ بن أبي جامع أمرٌ بنظرِ عليٍّ في ترتيبِ ما بَقِيَ [من كُتُبِ الخِزانة] وتمييزِ كاملِها من ناقصِها، وكان مرادُ العادل بعليٍّ وزيرَهُ المذكور، [فأخبَرَ الوزيرُ أبا الحَسَن] ابنَ القَطّان بذلك وأشعَرَه بما فيه من التأنيسِ له والإيذان بالإقبالِ عليه، [فتولّاه] أبو الحَسَن في أيام كثيرة، ثم لما فَرَغَ منه طالَعَ العادلَ الوزيرُ بتمام ذلك [وترتيبِ جميع ما] اشتَمَلتْ عليه، فأمَرَ ثوابًا لمتولِّي ذلك بجُملةٍ وافرة من أمدادِ الزَّرع [وعددٍ كبير] من المال والكساء، وكان الزَّرعُ أحظاها؛ لِما كان عليه الوقتُ من الشِّدةِ والتناهي في غلاءِ الأسعار، وقد كان ذلك توالَى على مَرّاكشَ نحوَ سبعةِ أعوام، [حتى أثَّر] ذلك في كثيرٍ من أهلِها عمومًا، وفي ابن القَطّان خصوصًا؛ لكثرةِ عيالِه، وانقطاع موادِّ الفوائدِ عنه بعُطلتِه عن الأشغالِ التي كان يَنتفعُ بها ومنها. ولمّا صار ذلك كلُّه إلى ابن القَطّان وحازَه، وحَسُنت حالُه به، وسُرَّ بما مُنِحَ منه، رَفَعَ إلى العادل شاكرًا له هذا الإنعامَ الجزيل، فأنكَرَ العادلُ ما صَدَرَ عن ابن القَطّانِ من ذلك ولم يعرِفْ سببَه، فسألَ وزيرَه عنه، فقال: إنه لمّا خرَجَ الأمرُ بنظر عليّ في ترتيبِ الكُتُب لم يُخالِطْه شكٌّ في أنّ المرادَ بعلي: ابنُ القَطّان؛ لأنه كان الناظرَ فيها في المدّةِ المتقدِّمة، ولأنه العارفُ بما يحاولُ مِن ذلك، وللعلم بأنه لا يقومُ أحدٌ في ذلك التصرُّفِ مقامَه، فقال العادلُ: أرَدنا ابنَ أبي العلاء وأراد اللهُ مُخارقًا (١). ثم لم يأمَنْ أبو الحَسَن على نفسِه حتى خُلِع العادلُ وقُتل كما تقَدَّم.


= ويحسن هنا تصحيح وهم وقع فيه ابن أبي زرع الذي يقول في الأنيس المطرب: "ومنهم الفقيه القاضي أبو عبد الله ابن الصقر ولي القضاء بإشبيلية، ثم نقله أمير المؤمنين يوسف إلى حضرته فولاه الخزائن وبيوت الأموال" ومن الواضح أنه فهم من خبر ولاية ابن الصقر خطبة الخزانة أن المقصود خزانة المال، ومثل هذا الوهم قد يقع للمشارقة، وذلك لأن إطلاق الخزانة في اصطلاح المغاربة ينصرف إلى خزانة الكتب.
(١) هذا على قياس المثل: أردت عمرًا وأراد الله خارجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>