للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المصالحُ وتطاولت] أيدي المُعتَدين، وعاثَ أهلُ البَغْي في الأرض، وكَثُر في أقطارِ المغربِ [ونواحي] مَرّاكُشَ قَطْعُ السُّبل والمحارِبونَ الساعونَ في الأرض فسادًا، وكان [أكثرُهم، فيما] يُذكَر، يُساهمُ -فيما يَصيرُ إليه بالتغلّب عليه وانتهابِه من أموالِ المسافرينَ [والتّجّار] المتردِّدينَ- كبيرَ الوُزراء والمرجوعَ إليه من رجالِ الدولة أبا سعيدٍ ابنَ جامع، [حتى، ليُحكى أنّ بعضَ التّجّار سُلِبوا في توجُّهِهم إلى مَرّاكُش فجاءوا إلى أبي سعيدٍ ابن جامعِ متظلِّمين، رافعينَ إليه ما جَرى عليهم، وبينَما هم وقوفٌ على بابِ دارِه، ينتظرون تيسّرَ أسبابِ الوصُولِ إليه وإلى مكالمتِه في رَفْع ما حَلَّ بهم، رأَوْا أحمالَهمُ المنهوبةَ نفسَها وكثيرًا من أمْتِعتِهم على دوابَّ داخلةٍ إلى دارِه، فكَفُّوا عن التعرّض إليه يأسًا من نجاح ما سَعَوْا فيه، وانقَلبوا عنه متأسِّفينَ متحسِّرين، واستمرَّتِ الأمورُ على هذه الحال وبهذه السبيل زمانًا، والمستنصرُ في غَفْلةٍ عن كلِّ ما يَجري، غير سائل عن رعيّتِه التي يُسألُ عنها، وإن سَألَ أجابَه الوزيرُ أبو سعيد بأنّ الجميعَ في سُبوغ نعمةٍ وشمولِ عافية، واتّساع أحوال وبَسْطِ أموال، فيقنَعُ بذلك، ويعودُ إلى انهماكِه في لَذّاتِه.

وأهمَلَ معَ ذلك جانبَ الأجنادِ الذين هم آلةُ المَلِك وأعوانُه، فأرجَلَ فرسانَهم، وصُرِفت رَجّالتُهم؛ فتفاقَمَ الأمرُ واستَشْرى شرُّ المُفسِدين وكَثُرَ إضرارُهم وعَمَّ عُدوانُهم.

ولمّا تمَادى ظهورُ الفساد واشتَدّت شَوْكةُ أهلِه، أجرى أبو الحَسَن ذكْرَ ذلك بمجلس الوزيرِ أبي سعيد، وأشار إليه بإنفاذِ جيش إلى بعض نواحي مَرّاكُش لرَدع مَن نَجَم به من أهل البَغْي، فأجابَهُ بأنّ ذلك لا يُحتاجُ إليه، وأنه سيَكتُبُ إلى أهل تلك الناحية بالنّفور إلى مَن تعرَّضَ إلى أرضِهم ومُدافعتِهم والقَبْضِ عليهم وقَتْلِهم ونحوِ هذا، فلم يُقنغ ذلك أبا الحَسَن فقال: لعلّ المانعَ من ذلك الاحتياطُ على المالِ الذي يَنُوبُ في تجهيزِ هذا الجيش، فقال له أبو سعيد: إنّ بيتَ مالِ المسلمينَ قد خَلا ونَفِدَ ما كانَ فيه بالإنفاقِ في مصالِحهم، وكان [قولُ أبي سعيدٍ] (١) تسلُّقًا


(١) كل ما بين الحاصرتين محو في الأصل، ولا يختلف لفظ الممحو عما أثبتنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>