للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى صرفِ أبي الحَسَن عن التعرُّض لشيء ممّا [ذَكَرَ، ثم] قال له أبو الحَسَن: فالرأيُ عندي أن يوظَّفَ على بعضِ الأملياءِ (١) [قَدْرٌ من المال لإقامةِ] هذه الحركة، فقال له أبو سعيد: هذا لا سبيلَ إليه، ولا [نُوظِّفُ على الناس] ما أعفاهمُ اللهُ من بليّتِه مدّةَ آل عبدِ المؤمن، فيُخيفَهم ذلك ويُوحشَهم، [ولا نَخرُج منه بطائل] فقال له أبو الحَسَن: أنا الضّامنُ استخراجَه منهم متبرِّعينَ به [راضينَ] بإعطائه، طيِّبة به نفوسُهم، فاغتنَمَها منه أبو سعيدٍ؛ ليوقِعَ كراهيَتَه في [قلوب] أهل مَرّاكُش، وأباحَ له ذلك والنظرَ فيه، فنهضَ من عندِه، ولمّا فَصَلَ أَبو [الحَسَن] من مجلسِ أبي سعيد، وصار إلى منزلِه، تصَوَّر في خاطره أنّ أوّلَ مَن يؤخَذُ معَه في ذلك المتصرفونَ بأموالِهم وأعمالِهم في مستغَلّاتِ الأملاك مُساقاة في سوادِها أو مزارعة في بياضِها، وهم في عُرف أهل مَرّاكُش: المُرابِعونَ؛ لأنهم كانوا يعمَلونَ في ذلك على أن يكونَ لهم الرُّبعُ من فوائدِها، أو للمحاوِلينَ شراءَ غللِها من زيتون وعنبٍ وتين ورُمّان وخَضْراوات وغير ذلك ثم يبيعونَها، وهم في عُرف أهلِ مَرّاكُشَ أيضًا: القَشّاشونَ (٢)؛ وبَعَثَه على التَّبدِية بهم ما تقَرَّرَ عندَه وعندَ غيره من أهل مَرّاكُش من اتّساع أحوالِهم وبنائهم بما صار إليهم في تلك المُدّة من الفوائدِ لتوالي غلاءِ الأسعار، ونَفاقِ سِلعِهم، وارتفاع أثمانِها إلى حدٍّ لم يُعهد مثلُه فيما تقَدَّم. فبَعَثَ في رجُل كان يُذكَرُ أنه مِن أملاهُم وأعظمِهم جِدَةً، وكان اسمُه محمدَ بنَ عليّ ويُلقَّبُ بالذِّيب، وقد أدركتُ ابنيه، وبعضُ عقِبِه الآنَ بمَرّاكُش، وكان أوّلَ أمره حلفاويًّا، فلمّا حضَرَ عندَه أنكَرَ إرسالَه عنه، لمّا لم تَجْرِ بينَهما مخالطةٌ ولا مُلابَسة، على كثرةِ مُداخَلةِ محمد بن عليّ هذا أصنافَ الناس ومُداينتِه إياهم، فتوهَّم أنّ بَعثَه ليتدايَنَ منهُ، أو يُباحثَه في أمرٍ من أمورِ الأملاكِ أو غَلّاتِها، أو نحوِ ذلك ممّا كان بسبيلِه، فقال له أبو الحَسَن مُفاتحاً له: أنت الذِّيب؟


(١) جمع مليء، وهو الغني المقتدر.
(٢) قال ابن مرزوق في "المسند" في تعريف القشاشين: "هم المتصرفون في بيع الأملاك وابتياعها والمعرفة بقدر غلاتها" (المسند الصحيح الحسن: ٣١١ - ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>