للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستَوْحشَ من مُلاقاتِه بهذا القول، وكان كيّسًا مِقدامًا وَجّادًا للكلام، فقال له: لستُ الذِّيب، وإنّما أنا أحدُ بني آدَمَ، واسمي: محمدُ بن عليّ، فقال له: إنّما تُشهرُ بالذِّيب وبذلك تُعرَف، فقال له: ذلك لقب أجْراهُ عليّ بعضُ سُفهاءِ الناس وأراذِلِهم، ولا أرضَى لكَ ما رَضُوهُ لأنفُسِهم، فمنصِبُك أعلى من هذا، فقال له: دعَ الكلامَ في هذا وخُذْ فيما له بَعَثتُ فيك، فقال له: قُلْ أسمَعْ، فقال له أبو الحَسَن: بَلَغَني أنّ عندَك اثنَيْ عشَرَ ألفَ قِنطار من الزَّيت في جملة [رِبَاع وضِياع وأموال] فقال له: نعَم، شكرًا لله، فقال له: وما تصنَعُ بها؟ فقال: ما يصنَعُ الناسُ [بأملاكِهم وأموالِهم] فقال له: أعطِها لبيتِ (١) مالِ المسلمين، فإنه أحقُّ بها منك، فقال: ليس [لبيتِ مالِ المسلمينَ فيها] حقّ، فإنّي قد أدَّيتُ زكاتَها، فقال له: والقليلُ من ذلك يُقنِعُك [ويكفيكَ منه] دنانيرُ تُديرُها في الحلفاويِّينَ كما كنتَ، فقال له: إنّما أرجو من فضلِ الله [المزيدَ على ما عندي] من نعمتِه، فقال له: إن لمِ تفعَلْ ما ذكَرتُ لك طوعًا وإلّا فعلتَهُ كَرهًا، فقال: [لا أُخرجُ من] مالي مقدارَ خردلةٍ بغير حقّ أبدًا، إلّا أن أُريقَ دمي عليه، ومن قُتِل دونَ مالِه [فهو شهيد] وتراجَعا الكلامَ في ذلك طويلًا، وأبو الحَسَن قد تمكَّن منه الغَيْظ، واستَولى عليه الغضَب؛ لإخفاقِ سَعيه في المحاولةِ التي لم تنجَحْ، ثم صَرَفَه، وشاع بين أهل مَرّاكُشَ هذا المجلس، وتحدَّثوا بما جَرى فيه، ومَقَتوا أبا الحَسَن بسببِه، وحصَلَ أبو سعيدٍ على مُرادِه في أبي الحَسَن.

ثم تبغَّض أبو الحَسَن عَقِبَ ذلك إلى وجوهِ دولة المستنصر ووُزرائه وحُجّابِه والمتصرّفينَ في مشاطرةِ العمّال (٢)، فإنه أحدَثَ بها وَحشةً بين المستنصِر ورجالِ دولتِه، حتّى همَّ بالقَبْض عليهم واحدًا بعدَ واحد واستصفاءِ أموالهِم،


(١) في ص: "بيت".
(٢) تقدم أن لإبن القطان مقالة في مشاطرة العمال، ويفهم من السياق أن وظيفة المتصرفين فيها أحدثت باقتراح من ابن القطان وبناء على مقالته، ومشاطرة العمال من باب محاسبة العمال التي لها أصل معروف في السنّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>