للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا [تحسَّسوا] ذلك واستَشْعَروه، سَعَوْا في تخلُّصِهم منه بقتلِه، فدَسُّوا عليه من سمَّه فمات، وقد تقَدَّم الإيماءُ بذلك في رَسْم أبي إسحاقَ بن الحجر (١).

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: جَرى قبلَ هذا استباحةُ أبي الحَسَن سكْنى دار العُثمانيّ، بعدَ سعيِه في قتلِه وقتل ابنِه، فرأيتُ إيرادَ قصّتِها؛ لئلا يتشوَّفَ إليها مُتشوِّفٌ، ولأنّها من أغربِ ما جَرى في ذلك الوقت، وقد وَقَفْتُ عليها في خطِّ أبي الحَسَن نفسِه:

قال أبو الحَسَن: كان بمَرّاكُشَ طالبٌ يذكرُ أنه عثمانيُّ النَّسَب من ذُرِّية عثمانَ ابن عَفّانَ رضيَ اللهُ عنه (٢)، وكان موثقًا شاهدًا بحَوْمةِ أجاديرَ (٣) من مَرّاكُش، وكان له ابنٌ صغيرٌ يُذكَرُ بنُبل وذكاءٍ وتصرُّف في علوم على صِغَرِ سِنِّه، ثم ذُكِرَت عنه أشياءُ شنيعة، منها: أنّ بعضَ الطلبةِ أخبَرني أنه بَلَغَه أن قائلًا قال في النبيِّ محمد - صلى الله عليه وسلم -: لا نبيَّ بعدَ محمد، هو خاتمُ النبيين، فقال: ليس هو خاتمَ النبيئين، هذه كلمةٌ قد قالها موسى وعيسى، فبَعثْتُ عن أبيه، فلمّا حضَرَ عندي سألتُه عما نُسِب إليه من الأقوال، وقلتُ له: بَلَغَني أنه قال في نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: هو خاتمُ النبيئينِ، هذه كلمةٌ قد قالها موسى وعيسى؛ [فأنكَرَ أنّ ذلك] كان، وحَلَف من الأيمان ما أوجَبَت في الحالِ تصديقَه، والحملَ على الطالبِ الحاكي عنهُ، ثم قلتُ له: فهاتِ الآنَ حديثَ ابنِك،


(١) السفر الذي يحيل عليه المؤلف مفقود، وستأتي الإشارة إلى ترجمة هذا الطبيب الذي يبدو أنه كان له دور في سم الخليفة المذكور، ولم ترد هذه الرواية في مصدر آخر، والرواية المتداولة بين المؤرخين أنه نطحته بقرة فمات.
(٢) لم يسم المؤلف هذا العثماني وفي اختصار القدح (١٩٦ - ١٩٧) ترجمة لمن اسمه أبو القاسم عبد الرحمن العثماني، وقد جاء فيها: "وكان يذكر أنه من ذرية عثمان بن عفان" وقد لقيه ابن سعيد بسبتة وقال: إن أصله من طلياطة عمل إشبيلية وفارقه سنة ٦٢٧ هـ، وذكر أنه كان معروفاً بالرفاهية وكانت له عوائد الخواص، ولكننا لا نعرف هل بقي في سبتة أم انتقل إلى مراكش، وثمة بعض المشابه بين تصرفات هذا الرجل والمذكور هنا. وبالجدير بالذكر أن المصادر الأخبارية التي وصلت إلينا لم تشر بشيء إلى هذه الحادثة.
(٣) فوقها كلمة صح في الأصل، وحومة أجادير كانت في عدد من مدن المغرب كتلمسان وفاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>