للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إنَّ ابني عبد الله لم أزل حريصاً على تأديبه وتعليمِه، فوفّقهُ اللهُ، فحصل في أيسر مُدةٍ وعلى صغر سنه ما يُسْتَعظم لذوي الأسنان العالية. ثم ذكرَ ما قرأ من القُرآن والعربيّة والعَدَد والآداب والتعديل، فأنكرتُ في نفسي أكثرَ حديثه عنه، بالقياس إلى ما كنتُ أشاهد من صغر سن الابن المذكور، في حال خطوري عليه، ولقائي له في الطرق. قال: ثم إنّ الله ابتلاهُ ببليةٍ ورزأني فيه برزيةٍ علمتُ أنها عينٌ أصابت، وقَدَرٌ نفذَ، فصارَ يرى مرائي يُكلم فيها بقرائن ويُنذر بإنذارات ويؤمر بأوامر ويكون ذلك بواسطة ملائكة تارة، وبواسطة أنبياء تارة، وربما اجتمع له الصنْفان، وَيتْلُونَ معه القُرآنَ، ويُخْبرونَهُ بما يكون، ويحدِّثونَهُ بما يتفق له ويشكل عليه الشيء مما قالوا له إذا اسيتقظ، فيأتونه بعد ذلك، فيسألهم عنه فيفسرونه. وذكرَ أنه رأى من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وملكًا يُلازمه وهو أول من رأى وأول ما ابتدئ به اسمه شلانون، وهو الذي لا يكاد يغيب عنه ولا يغبه، وهو الذي يأخذه متى جاءه من شدة اتصال ما بينهما، وكثافته حاجب واحد، وأحياناً كأنه طائر أخضر على قدر جَمَل، وأخذ في أشياء مثل هذا مما لا يسعه خاطر.

فقلت له: أنبئني عن أول ما اعتراه هذا.

قال: نعم، كنتُ عام أول في هذه الأيام أيام عيد الأضحى مصبحًا يومًا، إذ قال لي: يا أبت، رأيتُ البارحة في النوم شيخا أتاني فقال لي: أقرئ أباك السلام من الحُسين وإبراهيم.

قال: فقلت له: يا بني، وما هذا؟ ومَن الحُسين وإبراهيم؟ قال: لا أدري، قال: ثم أتاه ليلة أخرى، فقال له: بلّغتَ أباك؟ فقال: نعم، ولكن مَن الحُسين وإبراهيم؟ قال: سَيُفَسَّر لكم هذا. قال: فبعد أيام ابتليتُ بالمطالبة التي طالبني بها الزيادي، حين زعمَ أني سببتُ الحُسَين عليه السلام (١)، واضمحلت عني تلك المطالبة بعد ما رأيتُ فيها من المشقة، ثم بعد أيام جرت لي مطالبة أخرى طالبني بها إبراهيم الكُتُبي سجِنتُ عندها، ولم يصح ما نُسب إليَّ أيضًا من سب من زعم أني سببته من العُلماء.


(١) في هذا ما يدل على نزعة مروانية واضحة، وسيأتي ما يزيدها وضوحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>