للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأخبَرني مرّةً بخبرٍ جاء تأويلُه في رُفقةٍ أتَى عليها في الطّريق دخَلَ مَن كان فيها من التجارِ مجرَّدين.

قال: وقد نَهى أن يَستجيبَ لمن يدعوهُ باسمِه أو بكُنْيتِه إلا أيوبَ، قال: وقد سألَهم عن معنى ذلك فأخبَروه أنه إشعارٌ بمِحَن خفيفةٍ تصيبُه.

قال: وقد حدَّثوهُ بما يَؤُولُ إليه أمرُه، وما يَبلُغُه مُلكُه، ومن يقومُ بسُلطانِه، وعُيِّن له زمنُ ابتدائه، وزمنُ استيساقِه أمرَه ومقدارُ عُمُرِه، وهو أحدٌ وثمانونَ عامًا، وأشباهُ هذا من الأحاديثِ عنهُ ممّا سيأتي ذكْره بعدُ.

فحينَ سمِعتُ هذا منهُ قلتُ له: قد عادَتْ لائمتي عليك، ولا ينفَعُك عندي تبرِّيكَ ونسبةُ ذلك إليه، فإنّي أرى أمرًا لا يَليقُ بمَن سِنّه سنّ ابنِك، وما هذا بشيءٍ غبتَ عنهُ، فجَعَلَ يحلِفُ ويؤكِّدُ ما ذهبَ إليه من التبرِّي، فقلت له: ما يُبرِّيك من هذا إلّا أن تجيئَني بالطّفل حتى أرى ما يحدِّثُ به، وكيف يتحدَّثُ به، فقال: أجيئُك به اليومَ بعدَ صلاةِ العصر. ثم عدتُ إليه بنوع آخَرَ من اللَّوم، فقلتُ له: وأيضًا، فأين أنت من تأديبِه لأوّل مسموع من هذا المنكَرات؟ فقال: قد ضربتُه مئة وخمسينَ سَوْطًا، وهممتُ بضَربه مرّةً أخرى ففرَّ منِّي، ورمَى بنفسِه في البئر، وبعدَ لأي أخرَجْناهُ، فقلتُ له: واللومُ أيضًا لاحق في ذلك بما أرى مِن تحدُّثِك عنه وإذاعتِكً لأخبارِه، فقال: وهذا أيضَا شيء ما أذنبتُ (١) فيه، وإنّما غُلِبتُ عليه بصورة اتَّفقَتْ لي معَه هي التي شهرت أمرَه، وذلك أنه يَبيتُ عندَ أُمِّه، وهي ساكنةٌ -لمشاجَرةٍ بينَنا-[بيتًا] في دار رجُل أمين يَسكُنُ فيها جَماعةٌ من الناس، قال: فلم يَرُعْني إلا [أحدُهمِ جاءني وقال: قد] مات ابنُك، فبادَرتُ فوجدتُ أُمَّه تَنُوحُ عليه والناسُ مجتمعون يتحدَّثونَ حديثَه، فدخلتُ إليه فوجدتُه ميِّتًا؛ فسَعَطتُه بفُلفُل مدقوق فلم يَعطُس، فوضَغتُ [] صُوفَا عند أنفِه فبدَا لنا تحرُّكُ بعض شَعَراتٍ منه، فعلمتُ أنه حيّ، فرفعتُه على ظهرِ خادم إلى منزلي، وتَبِعني من الناس خَلْق، فدَخَلوا معي، ووُضِعَ بين يدَيّ، وصِرتُ أبكي عليه لفَجَعتي به، والناسُ يُصبِّرونَني، فمِن قائل يقول:


(١) في ص: "ما أذنت".

<<  <  ج: ص:  >  >>