للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُزئتَ، ومن قائل يقول: لقد كان نبيلًا، ومن قائل يقول: العينُ أصابَتْه، فنحن على ذلك إذ قال بعضُ الحاضرين: أرى على يده حَرارة، فجَسَسْناهُ فصدَّقْنا ذلك، ثم مَدَّ يدًا أخرى، ثم رجلَه ثم الرّجلَ الأخرى، ثم فتَحَ عينَيْه، فنادى باسم أمِّه، فقلتُ له: يا بُنيّ، أنت في داري، فقال: ومتى جيء بي إلى هنا؟ ألم أكنْ عندَ أُمِّي، فقلت: أنا جئتُ بك، فقال لي: أيُّ وقتٍ هو، قلت: طَلعتِ الشمس، قال: سبحانَ الله! فاتَتْني صلاةُ الصُّبح، فقام فتوضَّاَ وصَلّى، فمزَجْتُ له شرابَ مُضطَكا قصدتُ به تقويةَ قلبه فقال لي: قد كنتُ بَيَّتُّ الصَّوم، ويسَّرتُ سُحوري، ففاتَني ذلك، ولا يفوتُني الصَّومُ فأنا صائم، فقلت له: يا بُنيّ، وما الذي اعتَراك؟ وأيُّ شيءٍ دهاك؟ قال: بينا أنا نائم إذْ عَرَضَ لي شيخ فقال: قُم، قلت: من أنت؟ قال: أنا أبوك إبراهيم، فقمتُ معَه فأخَذني فمشَى بي فهوِيتُ في بعض الطريق في حُفرة، فقلت: ما هذه الحفرة؟ قال: هذه الحفرةُ التي أُوقِدَت لي فيها النار، ورُميتُ فيها، ثم سِرنا في أرض سهلةٍ تغرَقُ فيها الأقدام، فانتَهيْنا إلى شخصٍ فأسلَمَني إليه، فسار بي، ثم انتَهى إلى آخَرَ فأسلَمَني إليه، ثم إلى آخَرَ فأسلَمَني إليه، وذَكَرَ أن هؤلاء: جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ وهو آخرُهم، قال: فمشَى بي حتى أسلَمَني، فرأيتُ نورًا قد قَرُبتُ منه بمقدارِ أربعةِ أشبار فرُعِبتُ، فالتفتُّ إلى إسرافيلَ لأستأنسَ به فلم أجِده، ورأيتُ في التفاتي النورَ قد أحاط بي من كلِّ جانب، وبيني وبينَه ذلك المقدارُ، فسَمِعتُ صوتًا هالَني فسقَطتُ مَغْشيًّا عليّ.

قال: فخَرَجَ كلُّ مَن سمِع مقالَتَه، فأخَذَ كلُّ واحدٍ منهم يتحدَّث فيَزيدُ ويَنقُص، فوجدتُ الخبرَ ذائعًا، قائلٌ يقول: تنبَّأ، وقائل يقول: أُسْرِيَ به، وزائدٌ يَزيدُ وناقصٌ يَنقُص، فجعَلْتُ أردُّ الباطلَ، وأخطئُ الخطأ، فهذا الذي أشاعَ عنهُ الحديث، وإلّا فما كنتُ بالذي يتحدَّثُ عنه بشيء. ولمّا وجَّهتُ عليه اللّومَ في تَرْكِ تأديبِه تنصَّلَ عن ذلك [وتبرأ منه، ثم] قال لي أيضًا: لقد بَلغتُ من ذلك إلى أنْ خرجتُ به يومَ هذا (١) فقصَدتُ إرهابَه وإزالةَ ما في نفسِه، فأخذتُه فرفعتُه


(١) محو تام في الأصل، ويبدو أن الإشارة إلى عرض للجيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>