للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حائطٍ [ليَفْزَعَ منه] فلمّا أنزلتُه قلتُ له: يا بنيّ، أرأيتَ ما أعطى اللهُ تعالى أهل هذا الأمر من العزِّ والمَهابةِ والأُبّهة! فضَحِكَ وقال: الجَزّارُ لا تَهُولُه كثرةُ الغَنَم (١). ثم حدَّثْتُ بهذا [ولدَه] في المجلس الذي أحضَرَه فيه، فقلتُ له: أهكذا كان؟ فأطرَقَ ثم رفَعَ رأسَه فقال لي: أفيكذِبُ؟

ولمّا سمعتُ منه هذا قلتُ له: انصَرِفْ وجِئْ به للموعِد، وفي خلال هذا جاء طلبةٌ فسَمِعوا بعضَ حديثِه، ورغِبوا في الحضور عشيّةَ سَماع الطفل فخَرَجوا، ولمّا صلَّيتُ صلاةَ العصرِ جاء به كما وَعَدَ، ولم يستقرَّ به المجلسُ إلا وجماعةٌ قد استَوْفَتْ لم أرَهُ يتحفَّظُ من أحدِ منهم، فأخذتُ في مُساءلتِه، فجَعَلَ الصبيُّ يحدِّثُ حديثَا لا يتلعثَمُ فيه ولا يتوقَّف، ولا يخجَلُ ولا يَهابُ، ولا يُبالي وإنكارِ مُنكَر، ولا يأنسُ بموافقة، فعجِبتُ من حالِه، فأحوَجَني ذلك إلى السؤال عن سِنِّه، فأخبَرَ أنها ثِنتا عشْرةَ سنةً، فجَعلْتُ أسألُه عمّا أسمَعني أبوه إيّاه في المجلس المفروغ منه، فجَعَلَ يحدِّثُ به كذلك وما تَركَ أذْكَرَهُ به أبوه، وربّما أخَذَه عنه فكمَّلَه، وربما سُئل عن

حديثٍ فأخَذَه عنه الأبُ وحدَّث به عنه، فيُصدِّقُه الابنُ.

وزاد في مسألةِ الصَّوت أنه سأل عن تفسيرِه إسرافيلَ في ليلةِ أخرى، فقيل له: معناه: لا تخافا إنّني معَكما أسمَعُ وأرى، يعني: أنت وأبيك.

ولمّا انتهى ذلك إلى هذه الغاية قلتُ له: يا بنيّ، أما تعلمُ أنّ هذا كلام لا يُسمَحُ فيه، ولا يَعيشُ قائلُه بشَرع؟ فقال لي: قد سألتُ عن ذلك، فقيل لي: لا خوفَ عليك، وقد أُمِرتُ بالجَهْر وإنذارِ الناس وتعريفِهم.

فقلتُ له: يا بُنيّ، ومن أمَرَك؟ قال: ربِّي. قلت: يا بُنيّ، كيف رأيتَ من رأيتَ منَ الأنبياءِ والملائكة بزَعمِك؟ قال: رأيتُهم شيوخًا إلا محمدًا، فإنه كَهْل. قلتُ: وما الكَهْل؟ -أو قال ذلك أحدُ الحاضرين- قال: مَن (٢) وخَطَه الشَّيب.


(١) هذا مثل.
(٢) في ص: "قد".

<<  <  ج: ص:  >  >>