قَوَّت عندي ما أوجَبَ البكورَ بالتعريفِ بهذا كلِّه، وهاهنا سمِعتُ أنه في هذا اليوم أُمِر بالاستيثاقِ منهما بالتقييد.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: هذا آخِرُ ما وجدتُ بخطِّ أبي الحَسَن ابن القَطّان من هذه القصّة، وعرَفتُ منَ ابنِه أبي محمد شيخِنا ومن غيره من شيوخِنا أنهما قُتِلا من الغدِ صَبْرًا بالسَّيف، وأنّ الأبَ رغِبَ في تقديم الابن حتى يشاهِدَ مصرعَه، ويحتسبَه عندَ الله سبحانَه وتعالى، ويحقَّ عندَه بُطلانُ ما كان يَصدُرُ عنه من تلك التخيُّلاتِ الكاذبة، فقُدِّم الابنُ على مقترَحِه، وأُتبعَ الأبُ، فكان أمرُه عِبرةً للسائلينَ وتحدَّث الناسُ به مُدّة.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه (١): ولمّا توفِّي العادلُ مقتولا كما تقَدَّم، اقتضَى نظَرُ أهل الحَلّ والعَقْدِ بمَرّاكُش تقديمَ أخيه أبي العلاءِ إدريس الملقَّب بالمأمون. فبايَعوهُ وكتَبوا بيعتَهم إليه وهو بإشبيلِيَةَ، والأندَلُسُ كلُّها لنظرِه، فاستَخْلفَ على مَرّاكُشَ أبا حَفْص عُمرَ بن أبي حفص عُمرَ بن عبد المؤمن، ثم إنّهم استبطَأوهُ فنَكَثوا بيعتَه، وامتَنعَ من نكْثِها أبو حفصٍ هذا وأبو عليٍّ عُمرُ بن تفراجين، فقتلوهما وبايَعوا أبا زكريّا يحيى الملقَّبَ بالمعتصِم بنَ أبي عبد الله الناصِر، وكان ممّن حضَرَ نَكْثَ البيعةِ المأمونيّة وتقديمَ المعتصم أبو الحَسَن ابنُ القَطّان خوفًا على نفسِه من المأمون، إذ كان أخا العادل، وحرصًا على نَيْل الحُظوةِ عندَ المعتصم، كما كان حَظِيًّا عندَ أخيه المستنصِر، وأبيهما الناصِر وجدِّهما المنصُور. ولمّا انتهى إلى المأمونِ نقْضُ ما أبرَمُوه من بَيْعتِه ونكثُهم إيّاها وتقديمُهم أبا زكريّا ابنُ أخيه وكان معظمُ كبارِهم قد كتَبَ كلُّ واحد منهم كتابًا إليه بتأكيدِ البيعة وتقرير وسائلِه لديه -أحفَظَه ذلك، واشتدَّ حنَقُه عليهم، وأجاز منَ الأندَلُس
(١) عارض هذه الفذلكة التاريخية بما في الأنيس المطرب (٢٤٩ - ٢٥٤)، والبيان المغرب (٢٥٤ - ٢٦٤)، والذيل والتكملة (الترجمة ٧٧٣)، والإحاطة ١/ ٤٠٩ - ٤١٨، والوافي بالوفيات ٨/ ٣٢٠ - ٣٢٣.