للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يمُدُّ أطنابَ الشُّكرِ والثناء، معَ الساعاتِ والآناء، وإن قَصُر فيما ذَكَر، وحَجَب، عما يجب، فأعلى منه عن ذلك قاصِر، ولو أنّ سَحبان له ناصِر، ولكنه قال على قَدْرِه، فخَلَّى عن عُذرِه [من البسيط]:

* والنّملُ يُعذَرُ في القَدْرِ الذي حَمَلا (١) *

ووليُّكمُ المخلِص في ودِّكم، المُثني على مجدِكم، مسرورٌ لكم بمحَلِّكم المَحُوط، وجلالِكم المغبوط، فرَغْتُم لشأنِكم، والعملِ مُهلةَ إمكانِكم، ونَقّاكمُ اللهُ من دنَس الخُطّة، ووَضَعَ عنكم إصْرَها وحَطَّه، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: ٥٨] , فالنازلُ عنها هو العالي، والعاطلُ [منها هو الحالي، والمُتْلوُّ] فيها هو التالي، والمعزولُ عنها هو الوالي، فمَن نَظَرَ بعينِ [الحقيقة، سلَكَ] الطريقة، التي أنتم لها أسلَك، وبها أملَك. أوزَعَكمُ اللهُ شُكرَ [نِعَمِه السَّرمَديّة؟] , وجَعَلَها لكم مطيّةَ بلاغ، إلى السعادةِ الأبديّة، فنِعمَ البلاغ، [ورَزَقَكم] البصيرةَ النيّرة، [وهي] أبعدُ في النظرِ والإدراك، وبوّأكم بصالح الدُّعاءِ [السِّماك، ومحَلُّ] بْنِكم يشكو إليكم خَسَاسةَ حالِه، وخسارةَ انتحالِه، وغَفْلتَه عن شِرعةِ [الحقّ، وسكرتَه حتى تأخَر وسبَقَ من سبَق] , ورَكِبَ الهوى فمال به العَبيط، [ولم يَعِظْهُ] فِراقُ الأحبّةِ والخَليط. وشُغِلَ بالدّنيا عن الشان، وصاحبُها أَخسَرُ صفقةً من أبي غَبْشان (٢)، ولو طالت بَصيرتُه القصيرة، ونالت مداركَ أُولي البصيرة، لشَغلتْه خُوَيصّةُ نفسِه عن العموم، ونَظَرَ إلى عقلِه وهواه فرَدَّ إلى الحاكم المحكوم، وأعدى على الظالم المظلوم، وبدَأ بنفسِه فنَهاها عن غَيِّها، وشَفَاها من عيِّها، وطَوى ما


(١) شطر بيت لأبي نصر العتبي، وأول الشعر:
الله يعلم أني لست ذا بخل ... وست ملتمسًا في البخل لي عللا
لكن طاقة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
انظر التمثيل والمحاضرة للثعالبي ص ١٧٦.
(٢) هذا مثل مشهور، وأبو غبشان من خزاعة اشترى منه قصي مفاتيح الكعبة بزق خمر. وقصة المثل وما قيل فيه من شعر في كتب الأمثال.

<<  <  ج: ص:  >  >>