للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتشَرَ من أمانيِّها، فانتشارُ الرحمة في طيِّها، فخُصُّوه بخواصِّ دَعَواتِكم في صَلَواتِكم، ومظانِّ القَبُول من خَلَواتِكم، فنِعمَتِ الهديّةُ دعاءُ المؤمن لأخيه، ويعمَ الذُّخرُ لمن يُواخيه، جعَلَنا اللهُ ممّن تَراءى من وراءِ الغيب، القلوبَ الناصحةَ الحُبّ، السالمةَ من رِيبةِ الرَّيْب، وجعَلَنا ممّن تحابَّ فيه، حتى تجبَ لنا محبّتُه فيمن يَصطفيه، وجَلا بنورِ الهدى، ما رانَ على قلوبِنا من الصَّدى، حتى ينجابَ عنها حِجابُ الشّهوات، وغطاءُ الشُّبُهات، فتظةرَ فيها صورةُ الحقائق غيرَ مُشتبِهات، وأسعَدَنا بتوفيقِه، بمنِّه ورحمتِه.

ومحاسنُه أجلُّ من أن تُؤثَرَ بلسان، وتُسطَرَ في ديوان، ولولا خَوْف الإطالة والخروجِ عن قَصدِ الكتاب لاجتَلَبْنا منها ما يَبهرُ العقول، ويفضَحُ المَرويَّ عن غيره والمنقول.

واستُقضيَ بفاسَ وهو ابنُ نحوِ عشرينَ سنةً، عَقِبَ وفاةِ أبيه، ثم بتلمسين، ثم أعيدَ قاضيًا إلى فاسَ، واستُقضيَ بأغماتِ وَريكةَ مرّتَيْن (١) وبإشبيلِيَة (٢) كذلك، صُرِف في أُولاهُما بأبي محمد بن حَوْطِ الله.

وكان مشكورَ السِّيرة مشهورَ النزاهةِ والعدالة نبية البَيْتة، كريمَ الطِّباع أنقى لا يلبَسُ إلّا البياض، ولا يركَبُ إلا الحُجور (٣) الناصعةَ البياض فكان يتلألأُ نورًا على نور.

قال أبو عبد الله التُّجِيبيُّ: كان حسَنَ الخَلْق والخُلُق فصيحَ الخَطابةِ والكتابة، وكنتُ إذا رأيتُه تمثَّلتُ عند رؤيتِه بما أنشَدَ شيخُنا الحافظ السِّلَفيُّ لبعض شيوخِه في هادي بن إسماعيل [من الطويل]:

لهادي بن إسماعيلَ خاءاتُ أربعٌ ... بهنّ غدا [مستوجِبًا للإمامةِ]:


(١) انظر خبرًا يتعلق به أيام قضائه في أغمات في التشوف: ٢٠٧.
(٢) انظر خبرًا يتعلق به أيام استقضائه بإشبيلية في السفر الأول (الترجمة ٣٨٨).
(٣) الحجور: جمع حجر وهي الرمكة (أي البغلة).

<<  <  ج: ص:  >  >>