للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو القاسم ابنُ عِمْران: رأيتُه بسَبْتةَ عامَ أربعةٍ أو خمسةٍ وست مئة وهُو في زِيِّ النُّسَّاك، اجتَمَعتُ به عندَ الشّيخ الفاضل أبي العبّاس الأزرق (١) رضيَ اللهُ عنه وهو لابسٌ مُرَقَّعةً، وعَرَضَ عليه وأنا حاضِرٌ وثيقةً كتبَها في طلاقِه الدّنيا، ثم رأيتُه بعدَ عام ستّةٍ وعشرينَ، وسايَرْتُه في محَلّة المأمون (٢) [المتوجِّهة إلى مَرّاكُش] وهو محتسِبُ الطعام بها، فأنشَدَني من شعرِه قطعًا كثيرةً، وكان مُكثِرًا من النّظم، فذكَرَ لي شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه الله أنه كان بإشبيلِيَةَ في كنَفِ أبي العلاء ابن المنصُور، وأنه لزِمَه نحوَ [... ، وجُمِعت] له أمداحُه فيه فبَلَغَت ثلاثةَ مجلَّداتٍ ضخمة، ومن أمداحِه فيه [وقد انتَقل إلى إشبيلِيَةَ] واليًا بعدَ قُرطُبة: قولُه [من البسيط]:

يا سعدُ حمصُ لقد نالت بكَ الأملا ... كأنك الشمسُ قد حَلَّت بها الحَمَلا

فكلُّ فصلِ ربيع ناشرٌ زَهَرًا ... تَخالُهُ فوقَ أعطافِ الرُّبى حُلَلا

وأيُّ جوّ تجَلَّت فيه مُنحرِفًا ... أنوارُ عَدْلِك في الدنيا فما اعتَدَلا؟!

هي السّعادةُ أحظَتْها بما سألتْ ... وحسبُ ذي السُّؤلِ أن يحظَى بما سألا

[وحبّذا] نيّةٌ أضمَرْتَها صَدَقتْ ... فأكسَبَ الصِّدقُ تلك النيّةَ العمَلا

قد حقَّق اللهُ آمالَ العبادِ فمُذْ ... وليتَ أذهبتَ عنها الرَّوعَ والوَجَلا

إن كان فيها أميرُ المؤمنينَ وقد ... نالت بعَلْياهُ في أقطارِها الأملا

فعدلُهُ كالمسَمَّى جيءَ مبتدَأً ... به وكنتَ له التوكيدَ والبَدَلا

سلَّتْك كفُّ الهُدى منه على ثقةٍ ... سَلَّ الحسامِ بها كي تحسِمَ العِلَلا

واليومَ قد علِمتْ أقطارُ قُرطُبةٍ ... لفَقْدِ مرآك منها ما بها نَزَلا


(١) انظر ذكره في اختصار الأخبار: ١٩.
(٢) كان سفر المحلة المذكور من إشبيلية إلى مراكش في سنة ٦٢٥ هـ (انظر البيان: ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>