وهذا كما تَراه من النّمطِ العالي، والطِّراز الكامل الحَسَن [الغالي، لا سيّما أول، قسيمَيْ مطلعِها وبينَه وثانيه انحطاطٌ يتشبَّثُ به النَّقْد، [وقولُه]: "إعرابُهُ بين مرفوع ومجرورِ" نَقَصَه من مُعرَباتِ الأسماء: المنصوبُ، [وقولُه]: "كحالِها بينَ ممدود ومقصورِ" لا يتناولُ إلا أقلَّ الأسماء وما آخِرُه منها ألف وما قبلَ آخِره حرفُ عِلّة أو أمكَنَ إلحاقُه هناك في مصطلح بعضِهم، ولكنه غَطّى حَسَنُه على قبيحِه، ودخَلَ هجينُه في شفاعةِ صريحِه.
وقد رأيتُ تثليتَ هاتَيْن القصيدتَيْنِ بقصيدتِه البارعة التي نَظَمَها في مدح سيِّد البشر المصطفى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وسمّاها (المَيْمونيّة) ليعزِّز جمالَ الرائق بكمالِ الفائق، ويَعدِلَ عن مجَازاتِ المَجازات إلى حقائقِ الحقائق، نفَعَ اللهُ ناظمَها وراسمَها ومُنشِدَها ومستجيدَها وسامعَها ومستعيدَها، وهي هذه (١) [من الطويل]:
حقيقٌ علينا أن نَجيبَ المعاليا ... لنُفنيَ في مَدْح الحبيبِ المَعانيا
ونجمَعَ أشتاتَ الأعاريضِ حِسبةً ... ونحشُدَ في ذاتِ الإله القوافيا
ونقتادَ للأشعارِ كلَّ كتيبةٍ ... لنَضْرِ الهدى والدِّين تُردي الأعاديا
فألسُنُ أربابِ البيانِ صوارمٌ ... مضاربُها تُنسي السيوفَ المواضيا
لنُطلِعَ من أمداحِ أحمدَ أنجُمًا ... تَلوحُ فتَجْلو من سَنَاهُ الدَّياجيا
كواكبُ إيمانٍ تُنيرُ فيهتدي ... بأضوائها مَن بات يُدلجُ ساريا
سهوْتُ بمَدْح الخَلْق دهري، وهذه ... سُجودي لجَبْري كلَّ ما كنتُ ساهيا
فلا مَدْحَ إلا للذي بمديحِهِ ... تُطيعُ إذا ما كنتُ بالمدح عاصيا
رسُولٌ براهُ اللهُ من صفْوِ نورِهِ ... وألبَسَهُ بُردًا من النورِ ضافيا
وما زال ذاك النُّورُ من عهدِ آدمٍ ... يُنيرُ به اللهُ العصورَ الخَواليا
(١) وردت هذه القصيدة في أزهار الرياض وجذوة الاقتباس، وقد اشتملت على أمور مشروحة في السِّيَر، وتكثر الحواشي لو علقنا عليها.