للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أوّلُ مقاماتِ الإخلاص ونهايتُها، في لسانِ الحُكم مَغيبُ العبد بها عن الأبصار والبصائرِ جميعًا: "الإحسانُ أن تَعبُدَ الله كأنّك تراه"، الحديث (١). الكشفُ عن باطن الوجود تدريب، والكشفُ عن سرِّ تصريفِ الوجود تقريب. {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]. وبينَ من رأى دارَ المُلك ومَن دخَلَها فُزقان، ومن بُهِت عند الرؤيةِ حُجِب عن الدُّخول، ومَن صَمَّمَ أو ألمّ، ناداه مُنادي القُرب: أنْ هلُمّ، {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة: ١١١]. اللهُمّ دُلَّنا بكَ عليك، وأوصِلْ حبلَنا بحبلِك المتين، واجعَلْنا أئمةً للمتّقين، إنك مُنعِمٌ كريم. اتَّبِع آثارَ النّبوةِ المُكرَّمة بالنظرِ إلى مَطْعمِه ومَسْكَنِه وملبَسِه صَلَواتُ الله وسلامُه عليه. لقِيتُ بالحرم الشّريف عامَ سبعينَ (٢) شيخًا من العراق ذكَرَ في أنه اتَّبَعَ مواردَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فلم يُخِلَّ بشيءٍ من ذلك، غيرَ أنه لم تكنْ له بِنتٌ يُجهِّزُها لبَعْلِها فيُدخِلَ قدمَيْه بين صدرَيْها. وذَكَرَ عن بعضِهم أنه قال: لا آكُلُ البِطّيخ؛ لأنه لم يَبلُغْني عن سيِّدِ البشر كيف كان يأكُلُه فتركتُه خِيفةَ أن آكلَه على غير ما كان يأكلُه فاكونَ قد خالفتُه - صلى الله عليه وسلم -. والمقصودُ عند أهل الحقائق أنْ لا يتحرَّكَ العبدُ حركةً وإن دَقَّت ولا يَدَعَ حركةً وإن دَقَّت إلا بعلمٍ حقٍّ ليكونَ علمُه كلُّه حقًّا، ظاهرًا كان أو باطنًا. فعليك -أيُّها الولي- بحقائق العلم النافع، لقولِه جَلَّ جلاله: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩]، {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: ١٠٦]، والسلامُ الأتمُّ الأبرُّ الأفضَلُ عليك ورحمةُ الله وبركاتُه. من أضعفِ خَلْقِ الله أحمدَ عَفَا اللهُ عنه.

وعزَمَ على الرِّحلة إلى المشرِق في بعض رِحَلِه، وبَلَغَه أنّ الأميرَ أبا العلاء (٣)


(١) هو في الصحيحين من حديث ابن عمر: البخاري ١/ ٩، ومسلم ١/ ٣٤ وينظر تمام تخريجه في التعليق على جامع الترمذي (٢٦١٠).
(٢) يعني: وخمس مئة.
(٣) له ترجمة حافلة عند ابن الخطيب في الإحاطة ١/ ٤٠٩، وأخباره في البيان المغرب: ٢٥٣ - ٢٨٢ (القسم الموحدي).

<<  <  ج: ص:  >  >>