من غَيْبةِ سَهْوِه والإيقاظِ من سِنَة غَفْلتِه، إدريسُ ابنُ الأئمة أمراءِ المؤمنين بعدَ ورودِ كتابِه المبرور، ووصولِ خطابِه الذي هو عَلَمٌ في رأسه نُور، والوقوفِ من مَنازِعِه السَّنِيّة على ما حرَّك ساكنَ الأشواق، وأثار البواعثَ إلى تلك الآفاق، وإنّ نُقلةً تَعِيضُ عينًا من أثَر، وتوردُ على خبرٍ عن خبر، لَنُقلةٌ مباركةُ المبدَإِ والمنتهى، مشارَكةٌ ولو بالنيّات من أولي النُّهى. ولولا العوائقُ التي لا يمكنُ إلا بمعونةِ الله انبتاتُها، والدنيا التي لا تصحُّ إلا بالصِّدق معَ الله بَتاتُها، والتسويفاتُ التي لا تنضبطُ بعدُ ولا تنحصرُ في حدِّ غاياتِها، والتعلُّلاتُ التي لا تبرَأُ معَ تقوية أسبابِها وعِلّاتها، لَما كنتُ المتأخِّرَ البَطِيّ، ولَصَحِبتُ ولو سعيًا على الرأس لا على القدَم تلك المَطِيّ. وأنَّى لِمثلي أن يَسمعَ: هاك الرُّكنَ المطَهَّرَ فقَبِّلْه، وهاك البيتَ المقدَّسَ فاستقبِلْه، وهذا العقيقُ فاقبِضْ زمامَك، وأُمَّ النُّورَ المحمّديَّ أمامَك، وانزِلْ ذليلًا خاضعًا، وانشُر حالًا ومقالًا متواضعًا [طويل]:
نَزلْنا عن الاكْوارِ نَمشي كرامةً ... لِمن بانَ عنهُ أن نُلِمَّ به رَكْبا
نَسُخُ سِجالَ الدّمع في عَرَصاتِهِ ... ونَلْثِمُ من حبٍّ لواطئِه التُّرْبا
ولو قَصَرتْ تلك المهابةُ خطْوَنا ... سَحَبْنا مَصُوناتِ الخدودِ بها سَحْبا
وإنّ بقائي دونَه لخَسارةٌ ... ولو أنّ كَفّي تملِكُ الشّرْقَ والغَربا