للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُجتبَيْنَ من سَلَفِه، وإنّ هذا المنتميَ إلى المجد الباهرِ العلياء، والجدِّ الخاتم ديوانَ الأنبياء؛ لتَظهَرُ عليه بركاتٌ يستمِدُّها من عُنصرِها، وتَسري إليه من أُسرةِ الرسالة ومعشَرِها، فمن كمالِ إنسانيّ، وجلالِ نَفْسانيّ؛ وآدابٍ حِكَميّة، وآثارٍ مضيئة رَضِيّة، حسَنةٍ حَسَنيّة؛ فإنْ تكلَّم فكلامُه شَرَكُ العقول، وإن رَسَم في القِرطاس تحيَّر التفضيلُ بين المرسوم والمَقُول؛ وبالجُملة، فسترَوْنَ منه كلَّ [ما رَقّ وراق، وأمتَعَ الأسماعَ والأحداق]. ولمّا رمَتْ به نوى الغُربة إلى بلادِ المغرِب، وهي التي شكا (عَطَنَها، وعابَها) وما استحسَنَها، واستَوْبَأَ هواءها؛ واستَوْبَلَ أهواءها، (ووَجَدَ ناسَها كالأشباح، خاليةً) من الأرواح، وسَماحَها قد غاضَ فلم يبقَ بلَلٌ من سيحِه بالساح، [فكرُت حوْقلتُهُ] واسترجاعُه، وقال أينَ رونقٌ كان قد قَرَعَ الأسماعَ سَماعُه؟ فقيل له: [ذهب] ما هنالك، وغيَّرت الغِيَرُ المسالكَ والممالك، اللهم إلّا أنّ اللهَ أبقى البلادَ التي هي للفضائل بذلك، وحسَنتَها التي هي نورٌ في اللّيالي الحوالك، [قال]: فمَن تَعْنُون؟ قلنا: أبا الحَسَن سَهْلَ بنَ مالك "سيِّدٌ يفاخِرُ به إقليمُه الأقاليم ويُباهي (١)، ويوجَدُ الجُودُ في ماله وهُو الآمرُ الناهي، وتؤخَذُ عنه من شريعةِ جدِّك عليه السّلام الأوامرُ والنواهي، فقال: وجَدِّي لأعُودَنَّ إلى أرضِه حثيثَ الرِّكاب، مُستسهِلًا في طلبِ الأُنْس به وَحْشةَ القَفْر اليَبَاب، حتى أحُلَّ بمَغْناه، وأحصُلَ من كمالِه على فائدتَيْ لفظِهِ ومعناه؛ فقلنا: هُديتَ يا نَجْمُ سائرًا وساريًا، وسوف تلقَى صباحَ المجدِ المنير لا مُحتجبًا ولا مُتَواريًا، فتحمَدَ سُراك، وتشهَدَ للمغرب إن شاء اللهُ بحُسن ما أراك؛ وعندَما ثنَى نحوَ ذلكم الرَّبع الآهِل العِنان، وأحبَّ أَن يردَ صفْوَ تلكم المناهِل ليعلم الأثرَ والعِيان، أصحبتُه هذه المخاطبةَ لتشرُفَ بصُحبتِه، وتمجُدَ لإضافةِ تحمُّلِه لها ونسبتِه، وقد أودعتُ شرفَه ودائعَ إخلاص، وبدائعَ اختصاص، يتفضَّلُ بتبليغِها، وتُلقيها بلاغتُه إلى فصيح الدّنيا وبليغِها، وإنّي لأرجو أن أسعدَ منكما بين سعيدَيْن، وأن نجدَ جميعًا الرحمةَ


(١) ذكر ابن سعيد أنه كان صاحب العقد والحل في غرناطة، وكان يسخر من ابن هود فنفاه إلى مرسية، ولم يعد إلى بلده إلا بعد موت ابن هود. وقد امتدحه عدد من معاصريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>