للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحاسنُه في هذا الباب كثيرة.

ومن نَظْمِه، وله تعلُّقٌ بنوعٍ من التاريخ في ذكْرِ ملِكٍ اختَلّتْ حالُه بداخلةٍ دخَلَت عليه [الكامل]:

أخْذٌ وترْكٌ لا تأمُّلَ فيهما ... للحال في المتروكِ والمأخوذِ

نبَذوا عهودَهمُ ويا لكَ ضِلّةً ... مِن نَبْذِها لمشرّدٍ منبوذِ

عمَّت أذاياتُ الزمان ودونَ ما ... صِرنا إليه كلُّ أمرٍ مُوذي

فاعجَبْ لفارِ السّدِّ في وَهْنِ القُوى ... حيث انتَهى وبَعُوضةِ النُّمروذِ

وله في الحنينِ إلى الأوطانِ وما لقِيَ به من التقلُّب في البُلدان ومُفارقة الإخوان [البسيط]:

كم التنقُّلُ في سُكرٍ بلا طرَبٍ ... مشيَ النَّزيف صَريع الجَنْبِ بالبَنْجِ

مِن منزلٍ نحوَ ثانٍ ليس يُشبهُهُ ... كأنّما حمَلَتْنا خيلُ شِطْرَنْجِ

وهذان البيتانِ وإن كانا كما تراهما في غايةٍ من تحسين المُبْنى وتحصين المعنى فقد شَذَّ في قافيتِهما عن المعهودِ في مثلِهما من التزام الرِّدْف لحَذْفِ ما حُذِفَ منه على ما أُحْكِم في عِلم القوافي. وفي نحوٍ من ذلك، وكتَبَ إلى صاحبه أبي عبد الله بن محمد المُرْسِيِّ ابن الجَنّان (١) الكاتبِ رحمه الله [الطويل]:

تَذكَّرَ عهدَ الشّرقِ والشرقُ شاسعُ ... وذابَ أسًى للبَرْقِ والبرقُ لامعُ

وأتْبَعَ ذكْرَ الجَزْع أنّةَ مُوجَعٍ ... له أبدًا قلبٌ على الجَزْع جازعُ

كفى حزَنًا نأْيٌ عن الأهل بعدَما ... نأَيْنا عن الأوطانِ فهْي بَلاقعُ

نوَى غُربةً حتى بمنزلِ غُربةٍ ... لقد صنَعَ البَيْنُ الذي هو صانعُ

أحِنُّ إلى أرض تَقادَمَ عهدُها ... ومن دونِها أيدي الخطوبِ الموانعُ

وكيف بشُقْرٍ أو بزُرقةِ مائهِ ... وفيه لشُقْرٍ أو لزُرقٍ مَشارعُ


(١) ترجمته في عنوان الدراية (٢١٣)، والإحاطة ٢/ ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>