للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيّاه. ولمّا توفِّي أبو القاسم هذا واستُقضيَ بغَرناطةَ أبو الفضل عِياضٌ اشتَملَ عليه واستَكْتبَه وآثَرَه لصُحبة قديمة كانت بينَهما ومَواتَّ متأكِّدةِ وقراءتِه عليه قبلُ، إلى أن صُرف عنها سنةَ أربع وثلاثينَ بأبي عبد الله بن علي الأزْديِّ الجَيّانيِّ بن الحاجّ الأفطَس، فقَدَّمه إلى الأحكام والصلاة بوادي آشَ فأقام بها إلى أن توفِّي أبو عبد الله سنةَ ستٍّ وثلاثينَ فعاد إلى غَرْناطة.

وذكَرَ ابنُ الزُّبير أنه استُقضيَ بغَرناطة فحُمِدت سيرتُه وشُكِر عَدْلُه وشُهِرت نزاهتُه، ودام بها حتى ظُنَّ من أهلِها.

قال المصنِّفُ عَفا اللهُ عنه: تولّيهِ القضاءَ مستبِدّاً طويلًا لا أعرِفُه، إنّما كان مدّةً يسيرةً كما سأذكُرُه إن شاء الله، ولعلّه كان بحكم النّيابة أحيانًا عن مُستكتِبيه من القُضاة أو بعدَهم، فإنّ مُعظَمَ أخبارِه لخّصتُها من رَسْمِه في كتاب: "أنوارِ الأفكار فيمَن حلَّ جزيرةَ الأندَلُس من الزُّهّادِ والأبرار"، وهو كتاب ابتدَأَ تأليفَه أبو العباس هذا وتوفِّي دون إتمام غَرَضِه منه، فكمَّلَه وهذَّبَه ونقَّحَه ورتَّبه أبو عبد الله ابنُه (١)، ومعَ ذلك فلم يَذكُرْ فيه استنابتَه في القضاء بغَرناطةَ أصلًا، وإنّما ذكَرَ استقضاءه بها مدّةً لا تُشعِرُ بطُول. ولو كان الأمرانِ أو أحدُهما لَمّا أغفَلَه (٢)، واللهُ أعلم.

ولأوّلِ وصُولِه إلى مَرّاكُشَ عَرَفَه أحدُ سُراةِ لَمْتُونةَ وتحقَّقَ ما عندَه من الانقباضِ وحُسن الهَدْي، وكان ذلك اللَّمْتُونيُّ حينَئذٍ عاملَ دكالة فرغِبَ منه أن ينقطعَ إلى صُحبتِه ويَخرُجَ معَه إلى عِمالتِه ذلك العامَ، وضمِنَ له أن يُعطيَه ألفَ دينارٍ ذهبًا مُرابِطيّة، فامتَنعَ من ذلك وقال: والله لو أعطيتَني مِلءَ الدّنيا على أن أخرُجَ عن طريقتي وأفارقَ دَيْدَني من خِدمة أهل العلم ومُداخَلة الفقهاءِ والانخراطِ في سِلكِهم ما رَضِيت، فعجِبَ اللَّمْتُونيُّ من عُلوّ همّتِه ورغِبَ في


(١) اسمه محمد، وله ترجمة عند المؤلف في السفر الثامن من هذا الكتاب (الترجمة ٦١)، وهي برمتها في الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ٣/ ٦٤ والتكملة (١٥٤٤)، وذكره في الأندلسيين بينما عده ابن عبد الملك في الغرباء.
(٢) في م: "لم يغفله".

<<  <  ج: ص:  >  >>