للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُحبتِه على ما أرادَه، وكان من أماثلِ أهل طبقتِه وأعيانِ قومِه وكبارِ رؤسائهم، فصَحِبَه على الطريقةِ المحمودة والسبيل المشكور إلى أن فرّقَ الموتُ بينَهما، ووافَقَ ذلك عَوْدَ أبي عبد الله بن حَسُّون إلى قضاءِ مَرّاكُشَ ثانيةً فاستدعاهُ إلى الكتابة عنه لثقتِه به ولما تحقَّقه قبلُ من حالِه، فقدِمَ عليه واستعمَلَه إلى أن صُرِف.

واستقَرَّ أبو العبّاس بمَرّاكُشَ متولِّيَ أحكامِها والصلاة بمسجدِها إلى أنِ اختَلَّت أحوالُ اللَّمْتُونيِّين وآذنَتْ أيامُهم بالإدبار ودولتُهم بالانقراض فاستعفَى عن الأحكام فأُعفِي ورُغِّبَ في التزام خُطّةِ القضاءِ فامتَنعَ وبقِيَ على الإمامةٍ بالجامع (١) إلى أن تغلّب عبدُ المؤمن وحِزبُه على مَرّاكُش يومَ السبت لاثنتَيْ عشْرة ليلةً بقِيَتْ من شوّالِ أحدٍ وأربعينَ وخمس مئة على الوجهِ المشهور (٢)، واستُبيحت دماءُ كلِّ من اشتَمَلت عليه من الذكورِ البالغينَ إلا من تستَّر بالاختفاءِ في سِرب أو غرفةٍ أو مخبَإٍ، وتمادَى القتلُ فيهم ثلاثةَ أيام، ثم نوديَ في سِكَكِها بالعَفْو عمّن أسأَرَتْه تلك الفَتْكةُ الشَّنعاء والبَطْشةُ الكبرى، فظَهَرَ منهم عددٌ ليس بالكثير يقال: إنّهم نحوُ سبعينَ رجلًا وبِيعوا بيعَ الأُسارى المشركين هم ونساؤهم وذَرارِيهِم وعُفِي عن بعضِهم، فكان أبو العبّاس هذا ممن شمِلَه احترامُ أبي محمدٍ عبد المؤمن وعَرَفَ جلالتَه وفَضْلَ علمِه فألحَقَه بجُملةِ طلَبةِ العلم الملازِمينَ حضورَ مجلسِه وبالَغَ من الإحسان إليه والتحفِّي به وقَدَّمَه إلى الأحكام لحضرتِه مَرّاكُش فأقام بها مُدةً، ثم وَلّاه قضاءَ غَرناطة ثمَّ صَرَفَه عنها إلى قضاءِ إشبيلِيَةَ صُحبةَ ابنِه وليِّ عهدِه أبي يعقوب.

ولمّا صار الأمرُ إلى أبي يعقوبَ ألزَمَه خُطّةَ (٣) الخِزانة العالية، وكانت عندَهم من الخُططِ الجليلة التي لا يُعيَّنُ لتوليها إلا عِلْيةُ أهل العلم وأكابرُهم،


(١) عقد الفقيه العباس بن إبراهيم في كتابه: الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ٢/ ٣٨٥ ترجمة لأبي عبد الله ابن حسون هذا ولكنه لم يزد فيها شيئًا على ما هنا.
(٢) انظر خبر فتح مراكش هذا في البيان المغرب ٣/ ٢٣.
(٣) في م: "خدمة".

<<  <  ج: ص:  >  >>