للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٣ ب] فلو أنّكمْ كوشِفتُمُ بمكانِهِ ... رأيتُمْ مُقيمًا في أعالي الأرائكِ

يُنَعَّمُ في روضِ الرضا وتَجودُهُ ... سحائبُ في كُثْبانِ مسكٍ عَوانكِ (١)

كذلك وعدُ الله في ذي مَنَاسبٍ ... من البِرِّ صحَّتْ بالتُّقَى ومناسكِ

فيا رحمةَ الرحمن وافي جَنابَهُ ... ويا رَوْحَهُ سلِّمْ عليه وباركِ

ويا لَوْعتي سِيري إليه برُقْعتي ... وقُصي شُجونًا من حديثي هنالكِ

حديثُ الأشجان شجون، ووجوهُ القَراطيسِ به كوجوه الأيام جُوْن، فأَصِخْ لي أبُثَّك بَثِّي واكتئابي، أو أعِرْني نظرةً في كتابي، لتعلَمَ ما بي، فعندي ضَرَبَ الأسى خيامَه، وعلى وِرْدي أطال باغي الأسى حيامَه، وعَبْرتي أبكَتْ من القَطْرِ سِجامَه، وزَفْرتي أذكَتْ من الجَمْرِ ضِرَامَه، ومنّي تعلَّمتْ ذاتُ الهَدِيلِ كيف تَنُوح، وعنّي أخذَتْ ذاتُ الحنينِ كيف تغدو والهةً وتَروح، فما مذعورةٌ راعَها القنَّاص، وعَلِقَ بواحدِها حبلُ الحِبالة فأعوَزَه الخلاص، فهِي تتلفَّتُ إليه والمخافةُ خَلْفَها وأمامَها، وتتلهَّفُ عليه فتكادُ تُواقعُ فيه حِمامَها -بأخفقَ ضلوعًا، وأشفقَ رُوْعًا، وأضيَقَ مجالًا، وأوسعَ أوْجالًا، وأشغَلَ بَلْبالًا، بل ما طلاها، وقد رآها تَدْمَى طُلاها (٢)، حتى كاد يَشرَكُها في الحَيْن، ويَحصُلُ من الشَّرَكِ تحت جَناحَيْن، ثم أفْلتَ وهو يَشُكُّ في الإفلات، ويشكو وَحدتَه بالفلاة- بأَرْهَبَ نفْسًا، وأذهبَ أُنسًا، وألهبَ حشًا، وأغلَبَ توحُّشًا، وأضيَعَ بالمُوماة، وأضرَعَ لغير الأُمّات، منّي حينَ وافى النبأُ العظيم، ونُثِرَ للهُدى بكفِّ الرَّدى سِلكُه النَّظيم، وأصبح يعقوبَ الأحزانِ وهُو كظيم، وقيل: أُصيبتِ الدُّنيا بحَسَنتِها وحُسنِها، والدِّيانةُ بمُحَصِّنها (٣) وأبي حَسَنها (٤)، فحَقَّ على القلوبِ انفطارُها، وعلى العيون أن يَهمِي قِطارُها (٥)،


(١) العانك من الرمل: ما في لونه حمرة، أو هو ما تعقد.
(٢) الطلا: بفتح الطاء: ابن الظبية أو البقرة، والطلى: العنق.
(٣) قوله: "والديانة بمحصنها" استدركها الناسخ في الحاشية بعد المقابلة.
(٤) أبو حسن، كنية المترجم.
(٥) القطار: جمع قَطْر، وهو المطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>