تُحسِنُ لدى كلِّ كريهة الصَّبر: سادةُ الإخوان، وعِلْيةُ الأعيان، وسُراةُ بني الزمان، أبناءُ أخي السيِّد الفقيد، والسّعيدِ المتَواري الأنوارِ بالصَّعيد، قَدَّس اللهُ لَحْدَه، وآنسَ قلوبَهم بعدَه، فما أحسَبُ أنّ كمُضاعَفِ غمِّهم بعدَ عمّهم غَمًّا، فإنّهم فَقَدوا منه أبًا شريفًا وعمًّا، فهم يَبْكُونَه من جانبَيْن، وَيطلُبُهم التحزُّنُ عليه بواجبَيْن، واللهُ يَأجُرُهم في سَنائه، ويُصبِّرُهم وسائرَ أبنائه، بعِزّتِه، ومُعادُ التحيّة على جميعِهم كثيرًا، وعلى كلِّ مَن لديهم صغيرًا وكبيرًا، والرحمةُ والبركة. كتَبَ في مُنسلَخ ذي الحجة عامَ تسعةٍ وثلاثينَ وست مئة.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: لمّا استَطرَدَ هذا الكاتبُ المُجيد، نفَعَه الله، إلى ذكْرِ الأبياتَ التي رَثَى أبو الحَسَن بها أَبا الوليد، وكانت من جُملة أبياتٍ صَدَّر بها رسالةً كتَبَ بها إلى بني أبي الوليد تعزِيةً في أبيهم، رأيتُ إثباتَها بجُملتِها تكميلًا للفائدة، ولئلا يتشوَّقَ إليها مُطالع فتعوزَه، وهي [الطويل]:
ألا ليتَ شِعري هل لطالِبِ غايةٍ ... وصولٌ وأحداثُ الزمانِ تَعوقُهُ
مضَى عَلَمُ العِلْمِ الذي بِبَيانِهِ ... تبيَّنَ خافِيْه وبانَ طريقُهُ
أخِلّايَ إنّي من دُموعي بزاخرٍ ... بعيدٍ عن الشّطَّيْنِ منه غريقُهُ
وما كان ظَنّي بعدَ فَقْدِ أبيكمُ ... بأنَّ مُصابًا مثلَ هذا أُطيقُهُ
ولم أدرِ من أَشقَى الثلاثةِ بعدَه: ... أأبناؤُه أم دَهْرُه أم صَديقُهُ؟
رجوعًا إلى الصّبرِ الجميلِ فحقُّهُ ... علينا قضَى ألا تُوفَّى حقوقُهُ
أُعزّيكمُ في البُعدِ منه فإنّني ... أُهنّيه قُربًا مِنْ جوارٍ يَرُوقُهُ
فما كان فينا منهُ إلا مكانُهُ ... وفي العالَم العُلْويِّ كان رفيقُهُ
إيهٍ عن المَدامع! هل تلا انحدارَ الدّمعةِ انحدارُها، والمَطالع! أثَبَتَ على قُطبٍ مدارُها، والفجائع! أغيرُ دارِ بني رُشْدٍ دارُها؟ فإنه حديثٌ أتعاطاه مُسكِرًا،