يذكر عن نفسه أنه رسول الله، وأنهم سمعوا في هذا المجلس دعوة إلى جانب توحيد الله تعالى أنه رسول الله، وها هم أولاء يرون رأي العين والقلب فيه، وفي سمْته، وفيما يدعو إليه جديداً كل الجدة على ما اعتنقوه من وثنيّة بليدة مظلمة، وعلى ما ألفوه وعرفوه في الناس من أخلاق وشيم، فما عسى أن يكون رأي صاحب دينهم فيما رأى وفيما سمع؟!
فليتكلّم هانئ بن قبيصة شيخ شيبان في سنه، وصاحب دينهم في معرفته وعلمه بتقاليد جاهليّتهم، وشدّة حرصهم على التمسّك بوثنيّتهم، وقد قدّمه مفروق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا، ولعل مفروق بن عمرو أراد مع ذلك أن يستبين أثر ما جرى من الحوار بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنفس قرنائه في زعامة قومه، ولعله كان يطوي بين جوانحه شيئاً من الرضا بالدعوة الجديدة والدّين الجديد، ولم يكن وهو مغلل بسلاسل الوثنيّة والزعامة يستطيع أن يبوح جهرةً بمكنون سرّه، فأراد أن يعرف ما اختلج في أنفس أصحابه دون أن ينفرد بخلافهم!
وتكلم هانئ بن قبيصة، وكان عاقلاً متأنّياً، متّزناً حكيماً، أحكمته التجارب، فقال: إن تركهم دينهم الذي نهدوا في ظلّه، وشبّوا على تقاليده، وشابوا عليه، إلى دين جديد، مهما يكن شأن ما جاء به من مكارم الأخلاق، ومحاسن العمل، لمجرّد مجلس جلسه إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرض عليهم دعوته، وأبان عن شمائلها، وفضائل أصولها، ومحا من آدابها لم تكن له مقدّمات ممهّدات، ولا كانت له نهاية ينتهي إليها، وإنما كان أشبه بمجلس تعارف وتلاق، جمعتهم فيه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصادقة التي لم يكونوا هم يقصدونها، وقد سمعوا عنه وسمع منهم، وقالوا وقيل لهم، وعرفوا منه وعرف منهم، ولم