ولو كانت الدعوات سهلة ميسورة، تسلك طريقاً ممهّدة مفروشة بالأزهار، ولا يبرز لها في الطريق خصوم ومعارضون، ولا يتعرّض لها المكذّبون والمعاندون لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة، ولاختلطت الدعوات .. ووقعت البلبلة والفتنة، ولكن بروز الخصوم والأعداء للدعوات، هو الذي يجعل الكفاح لانتصارها حتماً مقضيًّا، ويجعل الآلام والتضحيات لها وقوداً، فلا يكافح ويناضل، ويحتمل الآلام والتضحيات إلا أصحاب دعوة الحق الجادون المؤمنون، الذين يؤثرون دعوتهم على الراحة والمتاع، وأعراض الحياة الدنيا؛ بل على الحياة نفسها حين تقتضيهم دعوتهم أن يستشهدوا في سبيلها، ولا يثبت على الكفاح المرير إلا أصلبهم عوداً، وأشدّهم إيماناً، وأكثرهم تطلعاً إلى ما عند الله، واستهانةً بما عند الناس .. عندئذ تتميّز دعوة الحق من دعاوى الباطل، وعندئذ تُمَحّص الصفوف، فيتميّز الأقوياء من الضعفاء، وعندئذ تمضي دعوة الحق في طريقها برجالها الذين ثبتوا عليها، واجتازوا امتحانها وبلاءها .. أولئك هم الأمناء عليها، الذين يحتملون تكاليف النصر وتبعاته، وقد نالوا هذا النصر بثمنه الغالي، وأدوا ضريبته صادقين مؤثرين .. وقد علَّمتهم التجارب والابتلاءات كيف يسيرون بدعوتهم بين الأشواك والصخور .. وقد حفزت الشدائد والمخاوف كل طاقاتهم ومقدراتهم، فنما رصيدهم من القوّة، ونمت ذخيرتهم من المعرفة، فيكون هذا رصيداً للدعوة التي يحملون رايتها على السرّاء والضرّاء!
والذي يقع غالباً أن كثرة الناس تقف مشاهدة للصراع بين المجرمين وأصحاب الدعوات، حتى إذا تضخم رصيد التضحيات والآلام في صفّ أصحاب الدعوات، وهم ثابتون على دعوتهم، ماضون في طريقهم، أدركت