والله عزَّ وجلَّ يطمئن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمخلصين في الصفّ .. يطمئنهم بأن عينه على هذه الطائفة التي تبيّت وتمكر .. وشعور المسلمين بأن عين الله على المبيِّتين الماكرين يثبت قلوبهم، ويسكب فيها الطمأنينة إلى أن هذه الطائفة لن تضرّهم شيئاً بتآمرها وتبييتها .. ثم هو تهديد ووعيد للمتآمرين المبيّتين، فلن يذهبوا مفلحين، ولن يذهبوا ناجين:{وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ}!
وكانت الخطّة التي وجّه الله إليها نبيّه - صلى الله عليه وسلم - في معاملة المنافقين، هي أخذهم بظاهرهم -لا بحقيقة نواياهم- والإعراض والتقاضي عما يبدو منهم .. وهي خطّة فتلتهم في النهاية، وأضعفتهم، وجعلت بقاياهم تتوارى ضعفاً وخجلاً .. وهنا طرف من هذه الخطّة:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}!
ومع هذا التوجيه بالإغضاء عنهم، التطمين بكلاءة الله وحفظه مما يبيّتون: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٨١)}!
نعم .. وكفى بالله وكيلاً، لا يضارّ من كان وكيله، ولا يناله تآمر ولا تبييت ولا مكيدة!
وكأنما كان الذي يدفع هذه الطائفة إلى أن تقول في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع القائلين:{طَاعَةٌ} فإذا خرجت بيَّتت غير هذا الذي تقول .. كأنما كان هذا بسبب شكهم في مصدر ما يأمرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وظنهم أن هذا القرآن من عنده! وحين يوجد مثل هذا الشك لحظة يتوارى سلطان الأمر والتكليف جملة، فهذا السلطان مستمدّ كله من الاعتقاد الجازم الكامل بأن هذا كلام الله، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى .. ومن ثم كان هذا التوكيد الشديد الجازم المكرّر على هذه الحقيقة!