للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما سخّر لنا من قوى الكون وكشف لنا من أسراره، لا نتعدّى تلك الدائرة .. دائرة ما نحتاجه للخلافة في هذه الأرض، وفق حكمة الله وتقديره!

وسنكشف كثيراً، وسنعرف كثيراً، وستفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته .. مما قد تعتبر أسرار الذّرة بالقياس إليه شيئاً يسيراً .. ولكننا سنظلّ في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة، وفي حدود قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)} (الإسراء)! قليلاً بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وقيّومه. وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود، ووسائل المعرفة البشريّة المحدودة بقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (لقمان: ٢٧)!.

فليس لنا -والحالة هذه- أن نجزم بوجود شيء أو نفيه، وتصوّره أو عدم تصوّره، من عالم الغيب المجهول، ومن أسرار هذا الوجود وقواه، لمجرّد أنه خارج عن مألوفنا العقليّ أو تجاربنا المشهودة، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها، فضلاً على إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا!

وقد تكون هناك أسرار ليست داخلةً في برنامج ما يكشف لنا عنه أصلاً، وأسرار ليست داخلةً في برنامج ما يكشف لنا عن كنهه، فلا يكشف لنا إلا عن صفته أو أثره أو مجرد وجوده .. لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض!

فإذا كشف الله تبارك وتعالى عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى. عن طريق كلامه -لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقاتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضاً- فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم .. نتلقّاها كما هي؛ فلا نزيد عليها ولا ننقص منها؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>