والمنافقين، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأوّلون، لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة والثقافة والحكم والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام، وعسف الحكام، وشغلت بنفسها, لا تحمل للعالم رسالة، ولا للأمم دعوة، وأفلست في معنويّاتها، ونضب معين حياتها, لا تملك مشرعاً صافياً من الدّين السماويّ، ولا نظاماً ثابتاً من الحكم البشري)!
ويقول الكاتب الأوروبيّ (ج. هـ. دنيسون) في كتابه (العواطف كأساس للحضارة): (١)
(في القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفا جرف هار من الفوضى؛ لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت، ولم يك ثمّ ما يعتدّ به مما يقوم مقامها، وكان يبدو إذ ذاك أن المدنيّة الكبرى التي تكلّف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة، مشرفة على التفكّك والانحلال، وأن البشريّة توشك أن ترجع ثانيةً إلى ما كانت عليه من الهمجيّة، إذ القبائل تتحارب وتتناحر، لا قانون ولا نظام، أما النظم التي خلّفتها المسيحيّة فكانت تعمل على الفرقة والانهيار، بدلاً من الاتحاد والنظام، وكانت المدنيّة كشجرة ضخمة متفرّعة امتدّ ظلّها إلى العالم كله، واقفةً تترنح، وقد تسرّب إليها العطب، حتى اللباب .. وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحّد العالم جميعه!).
يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم -!
(١) ترجمة (Emotion as the Basis of Givilisation) نقلاً عن: في ظلال القرآن: ٥: ٣١٤٩.