ومع ذلك فهم لا ينكرون أنه الهدى، ولكنهم يخافون في الوقت ذاته أن يتخطفهم الناس، وهم لا يدركون أن قوى الأرض لا تملك أن تتخطفهم وهم في حمى الله، ولا تملك أن تنصرهم إذا خذلهم الله، ذلك أن الإيمان لم يخالط قلوبهم!
ولو خالطها لتبدّلت نظرتهم للقوى، ولاختلف تقديرهم للأمور، ولعلموا أن الأمن لا يكون إلا في التزام منهج الله، وأن الخوف لا يكون إلا في البعد عن هُداه، وأن هذا الهدى موصول بالعزّة، وأن هذا ليس وهماً، وليس قولًا يقال لطمأنة القلوب .. إنما هو حقيقة عميقة، منشؤها أن اتباع هدى الله معناه الاصطلاح مع ناموس الكون وهداه، والاستعانة بهذه القوّة وتسخيرها في الحياة، والذي يتبع هُدى الله يستمدّ مما في الكون من قوى غير محدودة، ويأوي إلى ركن شديد في واقع الحياة!
وهُدى الله منهج حياة صحيحة .. حياة واقعة في هذه الأرض .. وحين يتحقق هذا المنهج تكون له السيادة الأرضيّة إلى جانب السعادة الأخرويّة!
وميزته أنه لا انفصال فيه بين طريق الدنيا وطريق الآخرة .. ولا يقتضي إلغاء هذه الحياة الدنيا أو تعطيلها ليحقّق أهداف الحياة الآخرة، إنما هو يربطهما معاً برباط واحد:
صلاح القلب!
وصلاح المجتمع!
وصلاح الحياة!
ومن ثم نبصر الطريق إلى الآخرة، فالدنيا مزرعة الآخرة، وعمارة هذه