أسلفنا- وهم يسألونه عن الرّوح ما هو؟ .. والمنهج الذي سار عليه القرآن -وهو المنهج الأقوم- أن يجيب الناس عمّا هم في حاجة إليه، وما يستطيع إدراكهم البشري بلوغه ومعرفته، فلا يبددّ الطاقة العقليّة التي وهبهم الله إيّاها فيما لا يفيد ولا يثمر، وفي غير مجالها الذي تملك وسائله وتحيط به، فلما سألوه عن الرّوح أمره الله أن يجيبهم بأن الروح من أمر الله، واختصّ بعلمه دون سواه:
وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل .. ولكنَّ فيه توجيهاً لهذا العقل أن يعمل في حدود مجاله، الذي يدركه .. ولكنها سمات يهود! فلا جدوى من الخبط في التّيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه؛ لأنه لا يملك وسائل إدراكه .. !
والرّوح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسرّ من أسراره القدسيّة أودعه هذا المخلوق البشري، وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها .. وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق .. وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود .. والإنسان لا يدبّر هذا الكون، فطاقته ليست شاملة .. إنما وهب منها بقدر محيطه، وبقدر حاجته ليقوم بالخلافة في الأرض، ويحقّق فيها ما شاء الله أن يحقق، في حدود علمه القليل!
ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع، ولكنه وقف حسيراً أمام ذلك السَّرّ اللطيف -الرّوح- لا يدري ما هو؟ ولا كيف جاء؟ ولا كيف يذهب؟ ولا أين كان؟ ولا أين يكون؟ إلا ما يخبر به العلم الخبير في التنزيل!
ويستمرّ في الحديث عن القرآن وإعجازه، بينما هم يطلبون خوارق مادّيّة،