من هذا العرض الموجز لمقاصد السورة يتبيّن لنا أن الحديث فيها -كما سبق- مسوق لإثبات رسالة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، وحقيقة ما أنزل عليه .. وأن الذين يقترحون غيره من الآيات ما تأمّلوه وما عرفوه حقّ المعرفة، وأنهم إذا استمرّوا في هذا الإعراض سيصيبهم ما أصاب الأمم قبلهم، وكذلك ما أصاب بني إسرائيل بعد فسادهم وإفسادهم في الأرض!
ثانياً: ما قاله من أن الآيات مكيّة، وأن المسلمين بمكة كانوا مستضعفين، فلم يكن لبني إسرائيل يومئذ صلة، ولا شأن مع المسلمين، ولم يكن لهم أثر بمكة يقتضي أن يتحدّث الله عنهم في سورة مكيّة بمثل هذا التفصيل ... إلخ!
هذا القول نوافقه عليه في جملته، إلا أننا -كما يقول الدكتور طنطاوي (١) - نخالفه فيما ذهب إليه من أنه لم يكن لبني إسرائيل صلة بالمسلمين، تقتضي أن يتحدّث القرآن عنهم بمثل هذا التفصيل!
ومن أسباب مخالفتنا له، أن عدم وجود الصلة التجاريّة أو السكنيّة بين مسلمي مكّة واليهود، وعدم وجود الأثر أو الخطر، لا يقتضي أن يترك القرآن الكريم الحديث عن بني إسرائيل بالتفصيل، إذ هناك ما هو أهمّ من كل ذلك، وهو تشابه موقف أهل مكة واليهود من الدين الحق، فكلاهما قد وقف من الرسالات السماوية موقف الجاحد العاصي، فبيّن القرآن الكريم لأهل مكّة أن الله تعالى قد أنزل التوراة على موسى عليه السلام لهداية بني إسرائيل، ولكنهم لم يعملوا بها، بل أفسدوا في الأرض، فكان مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً: