فبنو إسرائيل حمّلو التوراة، وكلّفوا أمانة العقيدة والشريعة:
{ثُمَّ لَم يَحْمِلُوهَا}!
لأن حملها يبدأ بالإدارك والفهم والفقه، وينتهي بالعمل لتحقيق مدلولها في عالم الضمير، وعالم الواقع .. ولكن سيرة بني إسرائيل كما عرضها القرآن الكريم لا تدل على أنهم قدروا هذه الأمانة، ولا أنهم فقهوا حقيقتها، ولا أنهم عملوا بها -كما يشهد بذلك واقعهم قديماً وحديثاً- ومن ثم كانوا كالحمار يحمل الكتب الضخام، وليس له منها إلا الثقل، فهو ليس صاحبها، وليس شريكاً في الغاية منها!
وهي صورة رزيّة بائسة، ومثل سيّء شائن، ولكنها صورة معبِّرة عن حقيقة صادقة!
ومثل هؤلاء اليهود، هؤلاء الذين غبرت بهم أجيال كثيرة، والذين يعيشون في هذا الزمان، وهم يحملون أسماء، ويرفعون رايات، ولا يعملون عمل المسلمين .. وبخاصة أولئك الذين يقرؤون الكتب، ويقومون بدور العلّم والموجّه والمفكر والأستاذ -مهما كانت مناصبهم- وهم لا ينهضون بما تفرضه عليهم العقيدة، وهم كثيرون كثيرون، وهذا خلق يهود!
فليست المسألة مسألة كتب تحمل وتدرس، إنما هي مسألة فقه وعمل في الكتب! وحسبنا أن نذكر مثلاً للانحراف عن سوء الفطرة، ونقض لعهد الله المأخوذ عليها، ونكوص عن آيات الله بعد رؤيتها والعلم بها!
ذلك الذي آتاه الله آياته، فكانت في متناول نظره، وفكره، ولكنه انسلخ سنها، وتعرّى عنها، ولصق بالأرض، واتبع الهوى، فلم يستمسك بالميثاق