للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتخذوها حرماً آمناً يقدّسونه، ويتحاملون فيه المآثم، وينزهونه عن وقوع المظالم، ويؤمنون فيه الخائف، ويجبرون الكسير، وينصرون المظلوم، ويخافون الظلم فيه .. يحجون إليها، ويجتمعون في مواسمها، يتعبدون ويتجرون، ويجلبون إليها الأرزاق والسلع، ويتبادلون ذلك فيما بينهم، فيصدر عنها من وردها بغير ما ورد، ويردها من صدر عنها بغير ما صدر، ثم اتخذوها مناراً لإذاعة مفاخرهم، ومحكمة لتحاكمهم، وملجأ لضعفائهم، وملاذاً يلوذ به أصحاب التبعات والجرائر منهم، ومصدراً لمحالفاتهم وتعهداتهم، ووضعوا لذلك سنناً متبعة لا يحيدون عنها، ونظاماً مأثوراً يأثره الخلف عن السلف، من غيره أو انتهك حرمته فقد جاء بإحدى الكبر!

وهكذا أصبحت (مكة المكرمة) شيئاً آخر، غير كونها وادياً محصوراً بين الجبال، فقد أصبحت متعبد العرب قاطبة، تهفو إليها قلوبهم، تحنثاً فيها وتعبداً بالطواف حول بيتها المحرم، يقدسونها تقديساً لا يفوقه تقديس، ويفدون بيتها المعظم بالمهج والأرواح!

قال الشاعر: محاسنه هولي كل حسن ... ومغناطيس أفئدة الرجال

قال ابن القيم (١): أخبر سبحانه أنه مثابة للناس، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)} [البقرة]!


(١) زاد المعاد: ١: ٥ أو ما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>