أي يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطراً، بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا اشتياقاً!
لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها ... حتى يعود إِليها الطرف مشتاقا
فللَّه كم لها من قتيل وسليب وجريح، وكم أنفق في حبّها من الأموال والأرواح، ورضي المحب بمفارقة فلذات الأكباد والأهل، والأحباب والأوطان، مقدّماً بين يديه أنواع المخاوف والمتالف، والمعاطف والمشاق، وهو يستلذّ ذلك كله ويستطيبه، ويراه -لو ظهر سلطان المحبة في قلبه- أطيب من نعم المتحلية وترفهم ولذاتهم!
وليس محباً من يَعُدُّ شقاءه ... عذاباً إِذا ما كان يَرضَى حبيبُه
وهذا كله سرّ إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}[الحج: ٢٦]!
فاقتضت هذه الإضافة الخاصة من هذا الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته، كما اقتضت إضافته لعبده ورسوله إلى نفسه ما اقتضته من ذلك، وكذلك إضافته عباده المؤمنين إليه كستهم من الجلال والمحبة والوقار ما كستهم، فكل ما أضافه الرب تعالى إلى نفسه، فله من المزيّة والاختصاص على غيره ما أوجب له الاصطفاء والاجتباء، ثم يكسوه بهذه الإضافة تفضيلاً آخر، وتخصيصاً وجلاله زائداً على ما كان له قبل الإضافة!