للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (١):

كذلك ما خص به الكعبة الحرام من حين بناه إبراهيم، وإلى هذا الوقت من تعظيمه وتوقيره وانجذاب القلوب إليه .. ومن المعلوم أن الملوك وغيرهم يبنون الحصون والمدائن والقصور بالآلات العظيمة البناء المحكم، ثم لا يلبث أن ينهدم ويهان، والكعبة بيت مبني من حجارة سود بواد غير ذي زرع، ليس عنده ما تشتهيه النفوس من البساتين والمياه وغيرها, ولا عنده عسكر يحميه من الأعداء، ولا في طريقه من الشهوات ما تشتهيه الأنفس؛ بل كثيراً ما يكون في طريقه من الخوف والتعب والعطش والجوع ما لا يعلمه إلا الله، ومع هذا فقد جعل الله من أفئدة الناس التي تهوي إليه ما لا يعلمه إلا الله!

وقد جعل للبيت من العز والشرف والعظمة ما أذل به رقاب أهل الأرض، حتى تقصده عظماء الملوك ورؤساء الجبابرة، فيكون هؤلاء هناك في الذل والمسكنة كآحاد الناس!

وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه خارج عن قدرة البشر، وقوى نفوسهم وأبدانهم، والذي بناه قد مات من ألوف السنين!

وإذا كان العرب لم ينسوا الله في وثنيّتهم، وأنهم قد أشركوا، فإن السبب يرجع إلى أن الأصل عندهم هو التوحيد، كما تلقوه عن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - والذي كان بقيّة مما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب - عليهم السلام -!

وإذا كانت الإنسانيّة قد عاشت حياتها في حمأة الوثنيّة الهابطة (٢)، وإذا


(١) خصائص جزيرة العرب: ٤٧ نقلاً عن الصفدية: ١: ٢٢٠ - ٢٢١.
(٢) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٢٢ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>