الثاني: أنه يدل على أن قوم لوط كانوا في العرب، ولذلك قال:
{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩)}!
فهم كانوا على مقربة منهم، وكانوا مثلهم في أطراف أرض العرب من ناحية الشام!
وهنا نذكر أمرين:
الأول: أنه بعث لمدين، وهم أهل الأيكة، فقد كانوا يعبدون شجرة عظيمة هي الأيكة، وهم أصحاب يوم الظلة، أي سحابة ظللتهم، فلما اجتمعوا تحتها التهبت عليهم ناراً وأحرقتهم (١)! كما أصابتهم الرجفة والصيحة!
وهي عقوبات متتالية، أرهقتهم الذلة، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، حتى فروا من أماكنهم، فجاءتهم الغمامة فرجوا أن يستظلوا، أو أن يجدوا فيها الرحمة، فكانت الصيحة العنيفة، وكانت الرجفة التي أصابتهم!
وقد استحقوا هذه الأنواع من العقوبات، والأصناف من المثلات، والأشكال من البليّات، لما اتصفوا به من قبيح الصفات، حيث سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عنيفة أخمدت الأصوات، وظلّة أرسل منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات!
الثاني: أن أهل مدين جمعوا مع عبادة الشجرة فساد الأخلاق وسوء المعاملات، حيث كانوا يطفّفون في الكيل والميزان, وقُطّاع طريق!
(١) انظر: تفسير الطبري: ١٩: ١٠٩ وما بعدها، وابن كثير: ٣: ٣٤٦ - ٣٤٧.