هذا، وقد اختصت الجزيرة العربيّة بالرسالات الأولى، رسالة إدريس، ونوح، وهود، وصالح، وكان لإبراهيم رفع القواعد من البيت وإسماعيل -كما أسلفنا-، وكان شعيب قد بعث في مدين، وانبعث منها نور رسالة موسى!
كما كانت مهجر اليهود عندما نزل بهم الأذى، ولجأت النصرانية إلى أرض نجران، فراراً من حكم القياصرة!
وقد يسأل سائل: لماذا كانت الجزيرة مهجر المضطهدين عندما نزل بهم الأذى، وحل سوء العذاب؟
والجواب على ذلك بأمور ثلاثة (١):
أولها: أن البلاد العربيّة ليست بلاداً متوحّشة، كما يتوهّم الذين يحكمون بغير بيّنات، أو الذين يرمون الكلام على عواهنه، أو الذين يتجنون على الحقائق مغرضين غير منصفين، إنما هي بلاد فيها ذكاء ونفوس صافية كصفاء سمائها، وقوةُ الاستجابة فيها متكافئة مع قوة المقاومة!
الأمر الثاني: أن الجزيرة مع ذكاء أهلها لهم في عقولهم معتصم، حتى وهم يعبدون الأوثان التي أغرموا بها إغراماً شديداً، وصارت جزءًا من مداركهم وعقولهم، وأصبحوا يستنصرون بالأحجار، ويظنّون أنها تجيب على سؤالهم، حتى وهم على هذا الحال لم ينسوا الله في وثنيّتهم، وكانوا كما قال الله: