فاقتصّوا آثارهم، حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا معهم نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصمٌ وأصحابه، لجؤوا إِلى فَدْ فَدٍ، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إِن نزلتم إِلينا ألا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، اللهم! أخبر عنا نبيّك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنّبل، وبقي خُبَيبْ وزيد ورجل، فأعطَوْهُم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إِليهم، فلما استمكنوا منهم حلّوا أوتار قِسِيّهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم، فجروه وعالجُوه على أن يصحبهم، فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخُبيب وزيد، حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خُبيب هو قَتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً، حتى إِذا أجمعوا على قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها، فأعارته، قالت: فغفلت عن صبيّ لي، فدرج إِليه، حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرفَ ذلك منّي، وفي يده الموسى، فقال: أتخشينَ أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إِن شاء الله!. وكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خُبيب. لقد رأيته يأكل قِطف عنب، وما بمكة يومئذ ثمرة، وإِنه لموثق في الحديد، وما كان إِلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف إِليهم فقال: لولا أن تروْا أن ما بي جزع من الموت لزِدت، فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل هو، ثم قال: