للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خارقة، ولم تجر على مألوف الناس ومعهودهم. في الوقت ذاته لا نرى أن جريان الأمر على السنة المألوفة أقل وقعاً ولا دلالة من جريانه على السنة الخارقة للمألوف، فالسنة المألوفة هي في حقيقتها خارقة بالقياس إلى قدرة البشر!

إن طلوع الشمس وغروبها خارقة -وهي معهودة كل يوم- وإن ولادة كل طفل خارقة - وهي تقع كل لحظة - وإلا فليجرّب من شاء أن يجرّب!

وإن تسليط طير -كائناً ما كان- يحمل حجارة مسحوقة ملوّثة بميكروبات الجدري والحصبة وإلقاءها في هذه الأرض، في هذا الأوان، وإحداث هذا الوباء في الجيش، في اللحظة التي يهم فيها باقتحام البيت .. إن جريان قدر الله على هذا النحو خارقة، بل عدة خوارق كاملة الدلالة على القدرة وعلى التقدير .. وليست أقل دلالة ولا عظمة من أن يرسل الله طيراً خاصاً يحمل حجارة خاصة تفعل بالأجسام فعلاً خاصاً في اللحظة المقررة .. هذه من تلك .. هذه خارقة، وتلك خارقة، على السواء!

فأما في هذا الحادث خاصة، فنحن أميل إلى اعتبار أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة، وأن الله أرسل طيراً أبابيل غير معهودة - وإن لم تكن هناك حاجة إلى قبول الروايات التي تصف أحجام الطير وأشكالها وصفاً مثيراً، نجد له نظائر في مواضع أخرى تشير بأن عنصر المبالغة والتهويل مضافاً إليها! - تحمل حجارة غير معهودة، تفعل بالأجسام فعلاً غير معهود!

نحن أميل إلى هذا الاعتبار؛ لا لأنه أعظم دلالة ولا أكبر حقيقة، ولكن لأن جو السورة وملابسات الحادث تجعل هذا الاعتبار هو الأقرب، فقد كان الله سبحانه يريد بهذا البيت أمراً .. يريد أن يحفظه ليكون مثابةً للناس وأمناً، وليكون نقطة تجمع للعقيدة تزحف منه حرة طليقة، في أرض حرة طليقة، لا

<<  <  ج: ص:  >  >>